كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 19)

عمر مغضبا، فقام أبو بكر فأخذ بطرف ثوبه، فجعل يقول: ارض عنى، اعف عنّى، عفا الله عنك! حتى دخل عمر الدّار وأغلق الباب دون أبى بكر ولم يكلّمه؛ فبلغ ذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم فغضب لأبى بكر، فلمّا صلّى الظهر جاء عمر، فجلس بين يديه، فصرف النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجهه عنه، فتحوّل يمينا فصرف وجهه عنه، فلمّا رأى ذلك ارتعد وبكى، ثم قال: يا رسول الله، قد أرى إعراضك عنى، وقد علمت أنك لم تفعل هذا إلّا لأمر قد بلغك عنى، موجدة علىّ فى نفسك [1] ، وما خير حياتى وأنت علىّ ساخط، وفى نفسك علىّ شىء! فقال: «أنت القائل لأبى بكر كذا وكذا، ثم يعتذر إليك فلا تقبل منه!» ثم قام النبىّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنّ الله عز وجل بعثنى إليكم جميعا، فقلتم:
كذبت، وقال صاحبى: صدقت؛ فهل أنتم تاركون لى صاحبى! فهل أنتم تاركون لى صاحبى! فهل أنتم تاركون لى صاحبى!» ثلاثا.
فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، رضيت بالله ربّا.
وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيا. فقام أبو بكر فقال: والله لأنا بدأته، ولأنا كنت أظلم، فأقبل عمر على أبى بكر فقال: ارض عنى رضى الله عنك، فقال أبو بكر: يغفر الله لك! فذهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد هممت أن أبعث رجالا من أصحابى إلى ملوك الأرض يدعونهم إلى الإسلام كما بعث عيسى بن مريم الحواريّين» .
__________
[1] كذا فى ص وفى ك: «نفسى» .

الصفحة 18