كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 19)

وقال ابن عرفة: قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وبه سمي القاضي؛ لأنه إذا حكم فقد فرغ ما بين الخصمين.
وقوله: ("فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ") قيل: معناه دون العرش استعطافًا أن يكون شيء من المخلوقات فوق العرش. واحتج قائله بقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: فما دونها (¬1).
والذي قاله المحققون في تأويل الآية قولان: أنه أراد بـ {مَا فَوْقَهَا} في الصغر؛ لأن المطلوب هنا والغرض الصغر أي أن فوق تزاد في الكلام وتلغى كقوله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] وكقوله: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11].
وأجمعوا أن الاثنتين كافية في ذلك، فلم يك بحرف (فوق) (¬2) فيه أثر.
وهذا أيضًا لا يتوجه في معنى الحديث؛ لأنك إذا نزعت منه هذا الحرف وألغيته لم يصح معنى الكلام؛ لأنه لا يجوز أن تقول: فهو عنده العرش، كما لا يصلح أن يقال: فإن كن نساءً اثنتين.
والقول فيه -والله أعلم- أنه أراد بالكتاب أحد شيئين: إما اللفظ الذي قضاه وأوجبه كقوله: {كَتَبَ الله لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} المجادلة: 21] أي: قضى الله وأوجب. ويكون معنى قوله: "فَوْقَ العَرْشِ" أي: علم ذلك عند الله فوق العرش لا ينسخ ولا يبدل كقوله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] وإما أن يراد بالكتاب:
¬__________
(¬1) هذا قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 35 وانظر الأقوال في هذِه الآية في "زاد المسير" 1/ 55، وذكر ابن الأنباري أن (فوق) من الأضداد فهي بمعنى أعظم كقولك: هذا فوق فلان في العلم. وتأتي بمعنى دون كقولك: إن فلانًا لقصير وفوق القصير. انظر "الأضداد" ص250 (153).
(¬2) من (ص1).

الصفحة 19