كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 19)

وروى عكرمة عن ابن عباس فيما ذكره الطبري عن محمد بن منصور الأيلي، ثنا خلف بن واصل، ثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيان، عنه تكذيب كعب في قوله.
وقال: هذِه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أكرم وأجل من أن يعذب على طاعته، ألم تر إلى قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم: 33] يعني: دوبهما في طاعته (¬1)، فكيف يعذب عبدين أثنى الله عليهما؟ ثم حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا فيه: أن الله لما أبرم خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم، خلق الشمس من نور عرشه، فأما ما كان في سابق علمه أنه أبدعها شمسًا، فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارق الأرض ومغاربها، وأما ما كان في علمه أن يطمسها ويحولها قمرًا، فإنه دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى مغربها من شدة ارتفاع السماء، فلو نزَّل الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يكن يعرف الليل ولا النهار من الليل، فأرسل جبريل فأمرَّ جناحه على وجه القمر -وهو يومئذ شمس- ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور (¬2)، فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فهو أثر المحو، ثم خلق الشمس عجلة من ضوء نور العرش، لها ثلاثمائة وستون عروة، ووكل بها ثلاثمائة وستين ملكًا، كل ملك معلق بعروة من تلك العرى، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكًا، كالشمس، وخلق له مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء، ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليًا كغلي القدر، فكل
¬__________
(¬1) "تفسير الطبري" 7/ 458 (20826).
(¬2) انظر: "تفسير القرطبي" 10/ 199.

الصفحة 41