كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ. فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِن حَقِّ أَخِيهِ شَيئًا، فَلَا يَأْخُذهُ. فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"
ــ
وقد بعث قومًا ليخبروه خبر قريش (الحنوا لي لحنًا) يعني أشيروا إليَّ ولا تفصحوا وأما اللحن بمعنى الفحوى فهو ساكن الحاء ومنه قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أي في فحواه اهـ (فأقضي) وأحكم (له) أي لذلك الألحن (على نحو) أي على مثل (مما أسمع منه) فمن في قوله مما أسمع زائدة بين المضاف والمضاف إليه أي على نحو كلام أسمعه أي على مقتضى وموجب كلام أسمعه منه تحكيمًا لظاهر حجته دون أن أعرف حقيقة الأمر في نفسها (فمن قطعت له) أي قضيت له (من حق أخيه شيئًا) قليلًا أو كثيرًا (فلا يأخذْه) قال القاضي: ترجم عليه البخاري القضاء في القليل والكثير سواء (فإنما أقطع له) أي أحكم لذلك الألحن (به) أي بذلك الشيء أي بالحكم له بذلك الشيء (قطعة من النار) أي من العذاب بالنار سمي التعذيب بها باسمها وقد يكون على طريق التمثيل بما يضر من ذلك في آخره كما تضره النار بدليل قوله الآخر فليحملها أو يذرها وفيه وعظ الخصمين وبه ترجم البخاري قوله: (فمن قطعت له من حق أخيه).
يقال: قطع له شيئًا إذا أعطاه إياه مقتطعًا من طائفة قال ابن منظور في اللسان: [١٠/ ١٥٣] القطعة من الشيء الطائفة منه واقتطع طائفة من الشيء أخذه والمراد من أخيه هنا الخصم واختار صلى الله عليه وسلم له كلمة الأخ دون الخصم استمالة لعواطف الأخوة الدينية أو الإنسانية نحوه لئلا يتجاسر على غصب حقه والحق يشمل المال والاختصاص.
قوله: (فلا يأخذه) به استدل الأئمة الثلاثة على أن قضاء القاضي إنما ينفذ في الظاهر ولا ينفذ في الباطن فلا يحل لمن أثبت دعواه بشهادة زور أن ينتفع بما قضي له به من مال أو فرج وقال أبو حنيفة: ينفذ القضاء ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ فيثبت العقد بالقضاء بيان لم يكن ثابتًا في نفس الأمر قبل ذلك كمن ادعى على امرأة أنَّه نكحها وأتام على ذلك بينة وقضى بها القاضي صارت المرأة زوجة له سواء كانت البينة كاذبة أم لا فيحل له وطؤها بعد ذلك وكان القاضي أنشأ بينهما نكاحًا ولكنه يأثم إثمًا شديدًا للكذب في الدعوى وإاقامة شهادة الزور ولكن لذلك عنده شروط مذكورة في الفروع اهـ تكملة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [٢٤٥٨]، وأبو داود [٣٥٨٣]، والترمذي [١٣٣٩]، والنسائي [٨/ ٢٣٣] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال.

الصفحة 15