كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَيكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ. وَوَأْدَ الْبَنَاتِ. وَمَنْعًا وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَال. وَكَثرَةَ السُّؤَالِ. وَإِضَاعَةَ المَالِ"
ــ
عزَّ وجلَّ حرم عليكم عقوق الأمهات) أي عصيانهن وترك الإحسان إليهن يقال للابن العاصي عاق والجمع عققة وبابه قعد كما في المصباح يقال فلان هين المبرة شديد المعقة كما في أساس البلاغة قال النووي وعقوق الآباء أيضًا من الكبائر وإنما اقتصر ها هنا على الأمهات لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات اهـ ويقال ما أعقه لأبيه وسيأتي في حديث الباب حرم عقوق الوالد وقال القرطبي: العقوق مصدر عن يعق عقوقًا من باب قعد إذا قطع وشق فكان العاق لوالديه يقطع ما أمره الله تعالى به من صلتهما ويشق عصا طاعتهما ولا خلاف في أن عقوقهما من أكبر الكبائر وخص الأمهات ها هنا بالذكر لتأكيد حرمتهن على الآباء لأن الأم لها ثلاثة أرباع البر كما بينا وجه ذلك في الإيمان اهـ من المفهم (و) حرم عليكم (وأد البنات) أي دفنهن في حياتهن فيمتن تحت التراب وهو من الكبائر الموبقات يقال وأد ابنته وأدًا من باب وعد إذا دفنها حية فهي موؤُودة (و) حرم عليكم أن تمنعوا (منعًا) للحقوق الواجبة عليكم أي حرم أن يمنع الرجل ما لزمه من الحقوق الواجبة ويقول: لا أعطي كالزكاة والنفقات مثلًا (و) حرم عليكم (هات) أي طلب ما لا تستحقون أي أن يطلب الرجل ما لا يستحقه وبقول هات أي أعط (وكره لكم ثلاثًا) من الخصال (قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال) وقد مر الكلام في هذه الثلاثة آنفًا. قوله (ومنعًا وهات) وفي الرواية الآتية (ولا هات) ومعناهما واحد وعدل في الثلاثة الأخيرة من لفظ حرم إلى لفظ (كره) لأن تلك الأمور التي قرن بها لفظ (حرم) أفحش وأكبر من هذه الأمور التي قرن بها لفظ (كره) وقد قيل إن الكراهة هنا من باب التنزيه وفيه بعد لما بيناه في إضاعة المال اهـ من المفهم وأما قوله (منعًا) فهو مصدر لمنع الثلاثي وأما (هات) فقيل هو اسم فعل أمر بمعنى أعط وقيل من الإيتاء فقلبت الهمزة هاءً لكثرة الاستعمال والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه وطلب ما لا يستحق أخذه ثم هو محتمل أن يدخل في النهي ما يكون خطابًا لاثنين كما ينهى الطالب عن طلب ما لا يستحقه وينهى المطلوب منه عن إعطاء ما لا يستحقه الطالب لئلا يعينه على الاثم كذا في فتح الباري [١٠/ ٤٠٦] وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٤/ ٣٤]، والبخاري [٣٤٠٨]، ثم ذكر المؤلف المتابعة من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه فقال.

الصفحة 29