كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

فَأَرْتَجِزُ. حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ. وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ بُرْدَةً. قَال: وَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ حَمَيتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ. وَهُمْ عِطَاشٌ, فَابْعَثْ إِلَيهِمُ السَّاعَةَ. فَقَال: "يَا ابْنَ الأَكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ"
ــ
مثل أن تقول الساعة يومك وقد قيل في قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩)} أن يومئذ ظرف ليوم عسير وذلك أن ظروف الزمان أحداث وليست بجثث فلا يمتنع فيها مثل هذا كما لا يمتنع في سائر الأحداث وأما الرضع فهو بضم الراء وفتح الضاد المشددة جمع الراضع وهو اللئيم والمعنى أن هذا اليوم يوم هلاك اللئام وقد اختلفت أقوال أهل اللغة في سبب تسمية اللئيم بالراضع فقيل لأنه ارتضع اللؤم من ثدي أمه قيل أصله أن رجلًا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها لئلا يسمع جيرانه صوت الحلب فيطلبوا منه اللبن وقيل بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء وقيل بل المراد من الراضع من يمص طرف الخلال إذا خل أسنانه وهو دال على شدة الحرص وفيه أقوال أخرى كثيرة وفسره بعضهم بطريق آخر وهو أن المراد أن اليوم يعرف كل من ارتضع من ثدي أمه فيعرف من ارتضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فأهجنته وقيل معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها فيمتاز عن غيره وعليه فالرضع صفة مدح لا صفة ذم والله أعلم راجع فتح الباري [٧/ ٤٦٢] (فارتجز) أي أنشد الرجز (حتى استنفذت) بوزن استفعل فالسين والتاء فيه زائدتان أي حتى أنقذت وأخرجت (اللقاح) أي النوق منهم أي من أيديهم أي استخلصت اللقاح من غطفان وفزارة (واستلبت) استفعل هنا بمعنى الثلاثي المجرد أي وأخذت (منهم) سلبًا (ثلاثين بردة) والبردة الشملة المخططة وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب كذا في النهاية.
(قال) سلمة: (وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت) له: (يا نبي الله إني قد حميت القوم الماء) أي حلت بينهم وبينه حتى منعتهم من شربه (وهم عطاش) جمع عطشان أي ظامئون (فابعث إليهم الساعة) أي في هذه الساعة بلا تأخر يعني لاستئصالهم جميعًا وفي الرواية الآتية عند المؤلف (يا رسول الله خلني فانتخب من القوم مائة رجل فاتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر) (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجع) أي فأرفق بهم فلا تؤاخذهم بالشدة فقد

الصفحة 373