كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي". ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ رَاسَلُونَا الصُّلْحَ. حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ. وَاصْطَلَحْنَا. قَال: وَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ. أَسْقِي فَرَسَهُ, وَأَحُسُّهُ, وَأَخْدُمُهُ, وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ. وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي, مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ, وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ, أَتَيتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا
ــ
المتقدم بالزمان والمعنى أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه كذا فسره الشيخ محمد الذهني في تعليقه وتفسير ابن الملك عندي أولى ووقع في رواية أحمد في مسنده [٤/ ٤٩] (إنك كالذي قال) ولم يذكر لفظ الأول (اللهم أبغني) أي أعطني هو بهمزة الوصل من البغاء بضم الباء أي اطلب لي وبهمزة القطع من الإبغاء أي أعني على الطلب كذا في المبارق قلت والوجه الثاني هو الأوجه في هذا المقام (حبيبًا هو أحب إلي من نفسي) أشار به النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن سلمة آثر عمه على نفسه إذ أعطاه سلاحه مع احتياجه فصاركمن يدعو الله تعالى أن ييسر له رجلًا يكون أحب إليه من نفسه فيؤثر عليه وفيه من مدح سلمة ونعته بالإيثار ما لا يخفى.
(ثم إن المشركين راسلونا الصلح) من المراسلة أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح وشأنه (حتى مشى) أي إلى أن مشى (بعضنا في بعض) أي إلى بعض ففي بمعنى إلى نظير قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي إلى أفواههم ويحتمل كونها بمعنى مع أي حتى مشى بعضنا مع بعض قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ راسلونا وفي بعضها (راسونا) بضم السين المهملة المشددة وحكى القاضي أيضًا فتحها بلا ألف يعني رسونا من رس بينهم إذا أصلح وهما بمعنى راسلونا قوله (واصطلحنا) معطوف على راسلونا أي واتفقنا على إمضاء الصلح بيننا (قال) سلمة: (وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله) أي خادمًا له أتبعه والتبيع الخادم لأنه يتبع الذي يخدمه (أسقي فرسه) الماء (وأحسه) أي: أحس فرسه بضم الحاء من باب شد أي أحك ظهر الفرس بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه (وأخدمه) من باب نصر وضرب أي في جميع حوائجه (وآكل من طعامه وتركت أهلي ومالي مهاجرًا) من قومي الأسلميين (إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال) سلمة: (فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض) يعني أمن كل واحد من الفريقين الآخر بعد الصلح (أتيت شجرة) من أشجار الحديبية (فكسحت شوكها) أي

الصفحة 378