كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "دَعُوهُمْ. يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ" فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: ٢٤] الآيَةَ كُلَّهَا. قَال: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا. بَينَنَا وَبَينَ بَنِي لَحْيَانَ جَبَلٌ. وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ
ــ
هؤلاء المشركين (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) للمسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوهم) أي دعوا هؤلاء المشركين واتركوهم وخلوا سبيلهم وقوله (يكن لهم) مجزوم في جواب الطلب السابق أي إن تركتموهم يكن لهم (بدء الفجور) أي ابتداء الغدر (وثناه) أي إعادته والبدء هو الابتداء والفجور هنا نقض الصلح وثناه أي ثنا الفجور أي إعادته ثانيًا أي فليكن لهم أول النقض وآخره.
قال في النهاية والثنى بكسر المثلثة وبالقصر الأمر يعاد مرتين قال في القاموس ولا ثنى في الصدقة كإلى أي لا تؤخذ مرتين في عام أو لا تؤخذ ناقتان مكان واحدة ووقع في بعض النسخ ثنياه بضم المثلثة وبياء وهي رواية ابن ماهان ولكن الرواية الأولى هي الصواب كما أفاده النووي نقلًا عن القاضي (فعفا عنهم) أي سامح عنهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وخلا سبيلهم قال القاضي عياض إنما فعل ذلك سلمة وعمه لما ذكر من قتل المسلم بأسفل الوادي فرأى المسلمون أن الصلح قد انتقض بذلك بجهل قاتله كذا في شرح الأبي (وأنزل الله) عزَّ وجلَّ في ذلك قوله {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} الآية [الفتح: ٢٤] كلها وردت في سبب نزول هذه الآية روايات أخرى أيضًا كما هي مذكورة في جامع البيان والدر المنثور ولا تزاحم بينها لأن الآية الواحدة ربما تنزل بأسباب متعددة.
(قال) سلمة: (ثم خرجنا) من الحديبية (راجعين إلي المدينة فنزلنا) في إيابنا (منزلًا بيننا وبين بني لحيان) بكسر اللام وفتحها اسم قبيلة (جبل) يريد أننا أنزلنا منزلًا قريبًا من بني لحيان لا يحول بيننا وبينهم إلا جبل واحد (وهم المشركون) ضبطه بعض الرواة بضم الهاء على أنه ضمير جمع الغائب والمراد أن بني لحيان مشركون وضبطه بعضهم بفتح الهاء وتشديد الميم المفتوحة على أنه فعل ماض أي وهم وأغم شأن المشركين الذين هم

الصفحة 381