كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

يَتَغَدَّوْنَ). وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ. قَال الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا, مِنْ هَذَا الْبَرْحَ. وَاللَّهِ, مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ. يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيدِينَا. قَال: فَلْيَقُمْ إِلَيهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ, أَرْبَعَةٌ. قَال: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ. قَال: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلامِ قَال: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا. وَمَنْ أَنْتَ؟ قَال: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ. وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ
ــ
يتغدون) أي يأكلون الغداء (وجلست على رأس قرن) بفتحتين والقرن هنا أعلى الجبل أو الجبل الصغير أو القطعة تنفرد من الجبل وقال النووي: القرن هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير اهـ (قال) فلان بن بدر (الفزارى) للذين شردوا من سلمة (ما هذا) الجالس (الذي أرى) فوق الجبل وأشار إلى سلمة بن الأكوع يريد من هذا وإنما استعمل كلمة ما تحقيرًا له (قالوا) أي قال الشاردون من سلمة (لقينا من هذا) الجالس (البرح) بفتح الباء وسكون الراء وبفتحهما أي الشدة والمشقة طول النهار يعني أصابتنا من سلمة الشدة والمشقة (والله ما فارقنا) هذا الجالس (مند غلس) أي بعد أن غلس أي دخل في الغلس وهو ظلمة آخر الليل حالة كونه (يرمينا) بالسهام (حتى انتزع) وأخذ منا كل شيء في أيدينا) من اللقاح والبرود والرماح (قال) فلان الفزاري (فليقم إليه) أي إلى هذا الجالس (نفر منكم أربعة قال) سلمة: (فصعدوا إليَّ منهم أربعة في الجبل قال) سلمة: (فلما أمكنوني) من الكلام معهم يعني اقتربوا بحيث يمكن لي أن أسمعهم كلامي جوابه قوله قلت وجعل الراوي بين لما وجوابه لفظة قال وقال الذهني قوله (أمكنوني) أي جعلوني قادرًا على إبلاغهم كلامي وسماعهم إياه يقال أمكنه من الشيء ومكنه إذا جعل له عليه قدرة ومعناه فلما قربوا مني بحيث صاروا يسمعون كلامي (قال) سلمة: (قلت) لهم: (هل تعرفوني) بتخفيف النون هكذا هو في بعض النسخ بنون واحدة على حذف نون الوقاية أو نون الرفع وحذف إحداهما في مثل هذا الفعل جائز وعلى أن النون مشددة فهي نونان أدغمت إحداهما في الأخرى والإدغام في مثل هذا لغة فصيحة وعليها قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} على قراءة من قرأها بالإدغام وفي بعض النسخ تعرفونني بنونين على الأصل وهو ظاهر قالوا وفيه جواز تعريف المرء بنفسه إذا كان معروفًا بالشجاعة ليدخل الرعب على قلب خصمه (قالوا) أي قال الفزاريون (لا) نعرفك (ومن أنت قال) سلمة: (قلت) لهم: (أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم) وجمل (وجه

الصفحة 386