كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ. يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ. فَأَخَذَهُمْ سَلَمًا, فَاسْتَحْيَاهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ} [الفتح: ٢٤]
ــ
خالد الواسطي ثقة، من (٩) (أخبرنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة، من (٨) (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة، من (٤) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا) أي نزلوا (على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو بالحديبية (من جبل التنعيم متسلحين) أي لابسين السلاح آخذين به حالة كونهم (يريدون) أي يقصدون (غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) الغرة الغفلة يعني أرادوا أن يتحاملوا على المسلمين على غفلة منهم أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم (فأخذهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (سلمًا) بفتحتين أي قهرًا واستسلامًا منهم لأنفسهم (فاستحياهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أبقاهم أحياء لم يقتلهم (فأنزل الله عزَّ وجلَّ) في ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ} حين أرادوا غرتكم (وأيديكم عنهم ببطن مكة) يعني ببطن الحديبية لأنها قريبة من الحرم (من بعد أن أظفركم عليهم) حين أخذتموهم وتمكنتم من قتلهم [الفتح / ٢٤].
قوله: (فأخذهم سلمًا) ضبطه الخطابي وغيره بفتح السين واللام والمراد به الاستسلام والإذعان كقوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَيكُمُ السَّلَمَ} يعني أخذهم حال كونهم منقادين مستسلمين أنفسهم إليه قهرًا وضبطه الحميدي بكسر السين وسكون اللام والسلم الصلح يعني أخذهم صلحًا ورجح القاضي عياض وابن الأثير الوجه الأول قال ابن الأثير في جامع الأصول [٢/ ٣٦٠] والذي ذهب إليه الخطابي هو الأشبه بالقصة لأنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرًا فأسلموا أنفسهم عجزًا وأما ما ذهب إليه الحميدي فله وجه أيضًا وذلك أنه لم يجر عليهم معاملة حرب إنما صالحوهم على أن يؤخذوا أسرى ولا يقتلوهم فسمي الانقياد إلى ذلك صلحًا والله أعلم (فاستحياهم) أي أبقى عليهم حياتهم ولم يقتلهم وقد تقدم لك أنه قد وردت روايات أخرى في سبب نزول هذه الآية فراجعه.

الصفحة 401