كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 19)

قَالُوا: استَخلِف. فَقَال: أَتَحَمَّلُ أَمرَكُم حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لَوَدِدتُ أَنَّ حَظِّي مِنهَا الكَفَافُ. لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَإِن أَستَخْلِف
ــ
عذابه فلا أعول على ما أثنيتم عليَّ وقيل مبتدأ خبره محذوف أي منكم راغب ومنكم راهب أي منكم من رغب في الثّناء علي لغرض له ومنكم من رهب منه لما يخاف منه وقيل راغب في الخلافة لنيل منصبها وراهب منها لعظم حقوقها وشدتها وقيل أنا راغب في الاستخلاف لئلا يضيع المسلمون وراهب منه لئلا يفرط المستخلف ويقصر فيما يجب عليه من الحقوق وكل محتمل اهـ قرطبي (قالوا) له: (استخلف) أي عين لنا خليفة يقوم مقامك (فقال) عمر لهم: (أتحمل أمركم حيًّا وميتًا) هذا استفهام إنكاري على حذف أداته أي هل أتحمل أموركم وشؤونكم أيها المسلمون حيًّا وميتًا أي لا أتحمل أموركم بعد مماتي كما تحملته في حياتي أما تحمله أمور المسلمين في حياته فظاهر وأمَّا تحمله بعد وفاته فمراده أنني لو استخلفت أحدًا لكانت عهدة ما يفعله في عنقي وأنا ميت وهذا ينبيء عن كيفيته النفسية في شدة شعوره بمسؤولية الخلافة رضي الله عنه.
قال الأبي فيه أن المستخلف لأحد مؤاخذ بما يفعل ذلك الأحد وهذا إذا لم يبالغ المستخلف في الاجتهاد في المصححات للاستخلاف فإن (قلت) عمر لا يقصر في الاجتهاد لو اجتهد فكان يجتهد ويستخلف (قلت) الإنسان في اجتهاده قد لا يصيب كما قال هو في اجتهاد نفسه إن يكن صوابًا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشَّيطان مع أنَّه عارضه أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم لم يستخلف اهـ من الأبي.
والله (لوددت) أي لأحببت وتمنيت (أن حظي) ونصيبي منها أي من الخلافة (الكفاف) أي عدم الثواب وعدم العقاب والكفاف في الأصل مقدار الحاجة من المال من غير زيادة ولا نقص وفسره هنا بقوله (لا علي) العقاب بسببها (ولا لي) الثواب عليها وهذا يقول لشدة ورعه وقيل إن قوله لوددت أن حظي الكفاف يحتمل معنيين الأوَّل أن يكون المراد من الكفاف ما كان يأخذه عمر رضي الله عنه من بيت المال لقضاء حوائجه والمقصود أني عملت بالاحتياط البالغ في أمر الخلافة في حياتي فكيف أثق على أحد أنَّه يحتاط بمثل ذلك بعد موتي والاحتمال الثَّاني أن يكون المراد من الكفاف الأجر في الآخرة والمقصود أنني أستكثر لنفسي أن أتخلص من حساب الخلافة في الآخرة بدون وزر ولا أجر وهذا من شدة ورعه وخشيته رضي الله عنه (فإن أستخلف) واحدًا منكم

الصفحة 448