كتاب العقيدة في الله

ينفونه، ولا يكيفونه كما نقل ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله. (¬1)
وقد نقل لنا أهل اللغة أن العلماء بالعربية الذين لم تتدنس فطرهم بقاذورات الفلسفات الوافدة أبوا أن يفسروا استوى باستولى.
قال داود بن علي الأصبهاني: كنت عند ابن الأعرابي، فأتاه رجل فقال: ما معنى قوله عزّ وجلّ: (الرَّحمن على العرش استوى) [طه: 5] فقال ابن الأعرابي: هو على عرشه كما أخبر، فقال: يا أبا عبد الله: إنما معناه استولى، فقال ابن الأعرابي: فما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على الشيء حتى يكون له مضاد، فأيهما غلب فقد استولى عليه، أما سمعت قول النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه ××× سبق الجواد إذا استولى على الأمد (¬2)
وهذا النهج، وهو معرفة معنى الاستواء وجهل الكيفية والنهي عن البحث فيها هو منهج السلف الصالح، فعندما سئل الإمام مالك: (الرّحمن على العرش استوى) [طه: 5] كيف استوى؟
أطرق مالك، وأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال: " الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة، أخرجوه ". (¬3)
وفي رواية عن مالك أنه قال: " الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ". (¬4)
وقوله: " غير مجهول " أي: معلوم، والمعلوم منه معناه، فإن له في لغة العرب معنى تفقهه العرب، وتعيه، ويمكن للعالم أن يفسره، ويترجمه، ولذا فإن كثيراً من الذين حكوا عن الإمام مالك مقالته السابقة ينقلونها عنه
¬_________
(¬1) مقالات الإسلاميين: ص211، 290.
(¬2) لسان العرب: 2/249.
(¬3) رواه البيهقي، وصححه الذهبي: انظر مختصر العلو للعلي الغفار، للذهبي: ص 141 حديث رقم: 131.
(¬4) انظر مختصر العلو: ص 141، وحديث رقم 132.

الصفحة 187