كتاب رحلة الشنقيطي إلى إفريقيا ط عالم الفوائد

الخطاب ثبوتًا لا مطعن فيه، ولم يخالف أحد من الصحابة، فكان إجماعًا سكوتيًّا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبت عن عمر بن عبد العزيز -وهو من خيار الخلفاء العظام- أنه كان يقيم الناس في الطرق، ويأخذ الزكاة من التجارات (¬1)، وقد قال الإمام البخاري -إمام المحدثين- في صحيحه: "باب في زكاة التجارة" (¬2)، وجعل هذا العنوان لزكاة التجارة، ولكنه لم يكن فيها حديث على شرط البخاري -لصعوبة شرط البخاري- فساق تحت هذا العنوان بسنده الصحيح عن مجاهد أنه فسر قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، قال: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} يعني التجارات. {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} يعني: الثمار والحبوب.
وإذا عرفنا مثلًا أن جميع العلماء يقولون بزكاة التجارات، وأنه لم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بهم كبعض أتباع داود كابن حزم (¬3)، فجميع العلماء لا يشترطون في التجارة وجوب شيء.
¬__________
(¬1) أخرجه مالك في الموطأ (ص 170)، (596).
(¬2) في كتاب الزكاة باب: صدقة الكسب والتجار (3/ 357). واقتصر في هذا الباب على آية البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ -إلى قوله- أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. قال الحافظ: "وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: من التجارة الحلال" اهـ. إلى آخر ما ذكره الحافظ رحمه الله. والمقصود أن أثر مجاهد لم يورده البخاري رحمه الله وإنما ذكره الحافظ كما رأيت.
(¬3) انظر: المحلى (6/ 414).

الصفحة 117