كتاب رحلة الشنقيطي إلى إفريقيا ط عالم الفوائد

من طرق لم يعلمها الناس حتى يَسْلَم من الرَّصَد والعيون المبثوثة أمامه؛ النبي لم يقل: هذه خبرة كافر يسجد للصنم فهي خبرة نجسة قذرة أتركها! ! لا، استعان بخبرته وأعطاه مراكبه هو وصاحبه، ثم سار منتفعًا بخبرته حتى أوصله المدينة بسلام.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه هَمّ أن يمنع وطء النساء المَرَاضِع؛ لأن الغِيلَة التي هي وطء المرضع، كان العرب يزعمون أنها تُضعف عظم الولد، وإذا ضرب الرجل بسيفه فنبا سيفُه عن الضريبة قالوا: هذا رجل غِيلَت أمه، يعني: وُطئت أمه وهو يرضع، وكان شاعرهم يقول في هذا الميدان (¬1):
فوارس لم يُغَالُوا في رَضَاع ... فتنبو في أَكُفِّهُم السيوف
فلما أخبرته فارس والروم أنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، أخذ بهذه الخطة الطبية ولم يقل: أصل تجاربها من الكفرة (¬2).
وهذه أمور وأمثلة تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد [الخلق] (¬3) يأخذ الأمور الدنيوية ولو اخترعتها أذهان كافرة فاجرة على حد قولهم: "اجتن الثمار وألق الخشبة في النار" وهو فيما بينه وبين ربه مرضٍ ربه جل وعلا. وعلى كل حال فنحن نضرب دائمًا الأمثال؛ لأن الأمثال
¬__________
(¬1) البيت في الكامل (ص 177).
(¬2) الحديث أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب: جواز الغيلة، حديث رقم (1442) 2/ 1066.
(¬3) في الأصل: الكون، وما بين المعقوفين زيادة على الأصل.

الصفحة 53