كتاب نفحات من علوم القرآن

ويعرض لكل ما روي في الآية ولا يقتصر على مجرد الرواية، بل كان يوجه الأقوال ويرجح بعضها على بعض وكان يتعرض للإعراب إذا دعت الحالة إلى ذلك، كما كان يستنبط الأحكام الشرعية ويتعرض للسند بالنقد فيعدل من رجال السند، ويعتني بذكر القراءات وتوجيهها، وأخيرا فهو تفسير عظيم، حافل بالروائع والدرر.
ب- ونذكر بعد الطبري من المفسرين بالمأثور (تفسير ابن عطية) واشتهر باسم (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) وابن عطية هو عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ولد سنة 481 هـ وتوفي سنة 546 هـ. وكان من قضاة الأندلس المشهورين، وكان فقيها عظيما عارفا بعلوم الحديث والتفسير واللغة والأدب، وكان ذكي الفؤاد قوي الفهم.
وقد لخص ابن عطية في كتابه هذا ما روي من التفسير بالمنقول وأضفى إليه من روحه العلمية الفياضة ما أكسبه دقة ورواجا. وكان منهجه أنه كثير الاهتمام بالشواهد الأدبية والصناعة النحوية، والكتاب يقع في عشر مجلدات كبار ولا يزال مخطوطا حتى اليوم (¬1) ومع هذا فقد ذاع صيته واتسعت شهرته ويقول عنه ابن تيمية: «وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدع من تفسير الزمخشري. ولو ذكر كلام السلف المعهود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري وهو من أجلّ التفاسير وأعظمها قدرا» (¬2).
ج- ثم نعرض لتفسير ابن كثير واسمه (إسماعيل بن عمرو بن كثير القرشي الدمشقي) وكنيته: أبو الفداء ولد سنة 705 هـ وتوفي سنة 774 هـ واسم كتابه (تفسير القرآن العظيم) وهو من أشهر ما ألّف في التفسير بالمأثور، ويأتي في المرتبة الثانية بعد كتاب (الطبري) وكان منهجه في التفسير: أنه يفسر كلام الله تعالى بالأحاديث الصحيحة والآثار القوية مسندة إلى أصحابها، مع الكلام عما يحتاج إليه
¬__________
(¬1) راجع التبيان في علوم القرآن للصابوني ص 188.
(¬2) من مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير ص 23 باختصار.

الصفحة 134