كتاب نفحات من علوم القرآن

ولم يحط به علما إلا الذي أنزله. ثم رسوله المصطفى صلّى الله عليه وسلم عدا ما استأثر الله تعالى بعلمه، ثم بعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه صحابته حيث ورثوا عنه معظم ذلك، وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس الذي قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى.
ثم بعد الصحابة التابعون لهم بإحسان. ثم من بعدهم من أهل العلم والمعرفة فتوّعوا علومه وألّفوا فيها وقامت كل طائفة بفنّ من الفنون. ومهما ألّف المؤلفون وكتب الكاتبون وبحث الباحثون فإنهم لم ولن يستطيعوا أن يحصوا أو أن يقفوا على كل ما حوى هذا الكتاب الجامع المانع.
ولقد قام قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته إلى غير ذلك من حصر لكلماته المتشابهة وآياته المتماثلة من غير أن يتعرضوا لمعانيه ولا يتدبروا لما أودع الله تعالى فيه، فسمّوا القرّاء.
واعتنى النحاة بالمعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف، واعتنى المفسرون بألفاظه. فوجدوا منه لفظا يدل على معنى واحد وآخر يدل على معنيين أو أكثر.
وخاضوا في ترجيح أحد محتملات المعاني وأعمل كل منهم فكره وعقله وقال في القرآن بما اقتضاه نظره. ومع كل هذه الجهود في التفسير لم يزل بكرا.
وقد غاص في أعماقه الأصوليون فاستنبطوا منه أدلة التوحيد الكامل وسمّوا هذا العلم بأصول الدين. كما نهل منه أهل البلاغة وأصول الفقه وعلماء التاريخ والقصص والوعظ والخطابة والحكم والأمثال والمواريث والوصايا. وعلماء المعاني والبديع والبيان والمواقيت. كل قد أخذ حظه من البحث والتمحيص في كتاب الله تعالى ومن بعدهم سيأخذ أكثر وأكثر ولم ينفد ما في هذا الكتاب من أسرار وعلوم.
ولقد تعرض القرآن المجيد لتسمية الأشياء أيضا حتى أنه لم يترك حرفة أو صنعة أو آلة إلا ذكرها لما لها من ضرورة في حياة الناس. فقد ذكر الخياطة في قوله تعالى وَطَفِقا يَخْصِفانِ والحدادة حيث قال وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ الآية، والبناء حيث قال وَالسَّماءَ بَنَيْناها والنجارة حيث قال: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا والغزل حيث

الصفحة 93