كتاب الشيعة والتصحيح

فهل في مثل هذه الثورة تجد الشيعة أثراً للتقية أو كل ما يمت إلى التقية بصلة؟ ثم يأتي دور الإمام " علي بن الحسين " الملقب بالسجاد وهو الذي عاصر ملحمة " كربلاء " ولم يشترك بالقتال بسبب المرض الذي ألزمه الفراش وقد أسر في ضمن من أسر بعد مقتل أبيه وحمل على جمل أقتب مقيداً بالسلاسل من " كربلاء " إلى " الشام " ولا شك أن تلك الصورة الحزينة المليئة بالدماء والدموع والتي شاهدها " السجاد " في يوم " عاشوراء " والذل والهوان الذي احتمله وهو يسير مع الأسرى بين " كربلاء " و " دمشق " كانت عالقة في ذهنه ليل نهار وقد انصرف الإمام " السجاد " إلى العبادة وكان يكثر من البكاء في آناء الليل وأطراف النهار حتى لقب بالبكّاء، إنه كان من الطبيعي لذلك الحزن السرمدي الذي كان يعصر قلب الإمام أن تتجلى في كلامه وخطبه عبارات تدحض الخلافة الأموية الحاكمة التي كانت حتى ذلك الحين تسب جده الإمام " علياً " على المنابر بعد كل صلاة، فقد ترك الإمام " السجاد " لنا أربعة وخمسين دعاءً جمعت كلها في كتاب واحد وسميت تلك الأدعية? الصحيفة السجادية ? إن من يقرأ هذه الأدعية يعلم علم اليقين كيف أن التقية كانت أبعد شيء إلى قلب " السجاد " فقد نسف الإمام في أدعيته تلك الخلافة الأموية الحاكمة نصاً ومضموناً، إنها حقاً أدعية ثورية صدرت من إمام شاهد أضخم الثورات الإسلامية حجماً وأقلها زماناً فإذا لم يستطع أن يشترك فيها بدمه فهاهو اشترك فيها بلسانه كالسيف البتار، وهذا هو الإمام " السجاد " مرةً أخرى يطوف بالبيت ويفسح له الحجيج له الطريق إجلالاً وإكراماً والخليفة " هشام بن عبد الملك " يرى كل ذلك ويطوف بين الطائفين والناس في شغل عنه والإمام يرى الخليفة ولا يبالي به فيغتاظ الخليفة لما رأى من الإمام وما رأى من الناس في الإمام فيسأل متجاهلاً: من هذا؟ مشيراً إلى السجاد وتشاء المقادير أن يكون " الفرزدق " الشاعر حاضراً الموقع فيرتجل قصيدته
العصماء مخاطباً الخليفة:
وليس قولك مَنْ هذا بضائره ....... العرب تعرف من أنكرت والعجم

الصفحة 54