المبحث الرابع:
متى شرع الوضوء
من المعلوم أن الصلاة فرضت بمكة، فهل شرع الوضوء معها بمكة، أو أن الوضوء شرع بالمدينة حين نزلت آية المائدة، وهي مدنية: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ...} (¬1).
فقيل: إن الوضوء فرض بمكة، ونزوله في آية المائدة تثبيت لهذا الحكم، لا أكثر، وهذا اختيار ابن عابدين من الحنفية (¬2).
وقيل: إن فرض الوضوء إنما شرع بالمدينة، وكان الوضوء بمكة سُنَّة (¬3).
وقيل: إن الوضوء لم يشرع إلا بالمدينة، وهو اختيار ابن حزم (¬4).
قال ابن حجر: وتمسك بهذه الآية من قال: إن الوضوء أول ما فرض ... بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو بمكة، كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء، قال: وهذا مما لا يجهله عالم.
وقال الحاكم في المستدرك: وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس دخلت فاطمة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي تبكي فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: ائتوني بوضوء، فتوضأ. الحديث.
¬_________
(¬1) آية المائدة: 6.
(¬2) حاشية ابن عابدين (1/ 91).
(¬3) شرح الزرقاني (1/ 64)، مواهب الجليل (1/ 180، 380)، فتح الباري (1/ 233).
(¬4) المحلى (1/ 198).