كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

وذلك أن العدو خصم تصرعه بالحجة, وتغلبه بالحكام، وأن الصديق ليس بينك وبينه قاضٍ، فإنما حكمه رضاه.
كيف تختار صديقك؟:
اجعل غاية تشبشك في مؤاخاة من تؤاخي, ومواصلة من تواصل, توطين نفسك على أنه لا سبيل لك إلى قطيعة أخيك، وإن ظهر لك منه ما تكره، فإنه ليس كالمملوك تعتقه متى شئت, أو كالمرأة التي تطلقها إذا شئت، ولكنه عرضك ومروءتك, فإنما مروءة الرجل إخوانه وأخدانه1, فإن عثر الناس على أنك قطعت رجلًا من إخوانك، وإن كنت معذرًا2، نزل ذلك عند أكثرهم بمنزلة الخيانة للإخاء والملال فيه, وإن أنت مع ذلك تصبرت على مقارته3 على غير الرضا, عاد ذلك إلى العيب والنقيصة.
فالاتئاد الاتئاد4! والتثبت التثبت5.
وإذا نظرت في حال من ترتئيه لإخائك، فإن كان من إخوان الدين فليكن فقيهًا, غير مراءٍ, ولا حريص، وإن كان من إخوان
__________
1 أخدانه، الواحد خِدْن: الصاحب.
2 أعذر الرجل: بلغ أقصى الغاية من العذر.
3 مقارته: البقاء معه, والاطمئنان إليه.
4 الاتئاد: التأني والتمهل.
5 التثبت: التأني في الأمر, والفحص عنه, والمشاورة فيه.

الصفحة 104