كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

الدنيا فليكن حرًا, ليس بجاهل, ولا كذاب, ولا شرير, ولا مشنوع1.
فإن الجاهل أهل أن يهرب منه أبواه، وإن الكذاب لا يكون أخًا صادقًا؛ لأن الكذب الذي يجري على لسانه, إنما هو من فضول كذب قلبه، وإنما سمي الصديق من الصدق, وقد يهتم صدق القلب, وإن صدق اللسان, فكيف إذا ظهر الكذب على اللسان؟ , وإن الشرير يكسبك العدو, ولا حاجة لك في صداقة تجلب العداوة, وإن المشنوع شانع2 صاحبه.
واعلم أن انقباضك عن الناس يكسبك العداوة, وأن انبساطك إليهم يكسبك صديق السوء, وسوء الأصدقاء أضر من بغض الأعداء. فإنك إن واصلت صديق السوء أعيتك جرائره3، وإن قطعته شانك اسم القطيعة، وألزمك ذلك من يرفع عيبك, ولا ينشر عذرك, فإن المعايب تنمي, والمعاذير لا تنمي.
لباس انقباض, ولباس انبساط:
البس للناس لباسين ليس للعاقل بد منهما، ولا عيش, ولا مروءة, إلا بهما:
لباس انقباض, واحتجاز من الناس، تلبسه للعامة, فلا يلقونك
__________
1 المشنوع: المشهور بالقبيح.
2 شانع: فاضح.
3 أعيتك: أعجزتك. جرائره: جناياته، والواحدة جريرة.
4 تنمي: تذيع.

الصفحة 105