كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

شكر الله على نعمه والعمل بطاعته:
قد بلغ فضل الله على الناس من السعة, وبلغت نعمته عليهم من السبوغ1 ما لو أن أخسهم حظًا, وأقلهم منه نصيبًا, وأضعفهم علمًا, وأعجزهم عملًا, وأعياهم لسانًا, بلغ من الشكر له, والثناء عليه بما خلص إليه من فضله، ووصل إليه من نعمته، ما بلغ له منه أعظمهم حظًا, وأوفرهم نصيبًا, وأفضلهم علمًا, وأقواهم عملًا, وأبسطهم لسانًا، لكان عما استوجب2 الله عليه مقصرًا, وعن بلوغ غاية الشكر بعيدًا.
ومن أخذ بحظه من شكر الله, وحمده, ومعرفة نعمه, والثناء عليه والتحميد له، فقد استوجب بذلك من أدائه إلى الله القربة عنده والوسيلة إليه, والمزيد فيما شكره عليه من خير الدنيا، وحسن ثواب الآخرة.
أفضل ما يعلم به علم ذي العلم, وصلاح ذي الصلاح أن يستصلح بما أوتي من ذلك ما استطاع من الناس, ويرغبهم فيما رغب فيه لنفسه من حب الله، وحب حكمته، والعمل بطاعته، والرجاء لحسن ثوابه في المعاد إليه، وأن يبين الذي لهم من الأخذ بذلك, والذي عليهم في تركه، وأن يورث ذلك أهله ومعارفه؛ ليلحقه أجره من بعد الموت.
__________
1 السبوغ، من سبغ الثوب: اتسع وطال، والمراد هنا شمول النعمة.
2 استوجب: استحق.

الصفحة 32