كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

وإن ألفك حمل عليك ما لا تطيق، وإن عاشرك آذاك وأخافك، مع أنه عند الجوع سبع ضارٍ، وعند الشبع ملك فظٌّ، وعند الموافقة في الدين قائد إلى جهنم.
فأنت بالهرب منه أحقُّ منك بالهرب من سم الأساود1 والحريق المتخوَّف, والدين الفادح, والداء العياء2.
ماذا يعمل الحازم؟:
وكان يقال: قارب عدوك بعض المقاربة، تنلْ حاجتك، ولا تقاربه كل المقاربة، فجترئ عليك عدوك, وتذل نفسك, ويرغب عنك ناصرك.
ومثل ذلك مثل العود المنصوب في الشمس، إن أملته قليلًا زاد ظله، وإن جاوزته الحدَّ في إمالته، نقص الظل.
الحازم لا يأمن عدوه على حال: إن كان بعيدًا لم يأمن مغاورته3، وإن كان قريبًا لم يأمن مواثبته، وإن كان منكشفًا لم يأمن استطراده4 وكمينه، وإن رأه وحيدًا لم يأمن مكرَهُ.
الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة, كما يزداد البحر بمواده من الأنهار.
__________
1 الأساود، الواحد أسود: الثعبان.
2 الفادح: الثقيل، المرهق، الداء العياء: الذي لا يبرأ منه.
3 مغاورته: غارته عليه.
4 استطراده، من استطرد له: أظهر له الانهزام مكيدة.

الصفحة 52