كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

ولم نجدهم غادروا شيئًا يجد واصف بليغ في صفة له مقالًا لم يسبقوه إليه: لا في تعظيم لله، عز وجل، وترغيب فيما عنده، ولا في تصغير للدنيا, وتزهيد فيها، ولا في تحرير صنوف العلم, وتقسيم أقسامها, وتجزئة أجزائها, وتوضيح سبلها, وتبين مآخذها، ولا في وجه من وجوه الأدب, وضروب1 الأخلاق.
فلم يبقَ في جليل الأمر, ولا صغيره لقائل بعدهم مقال.
وقد بقيت أشياء من لطائف الأمور فيها مواضع لصغار الفطن، مشتقة من جسام حكم الأولين وقولهم، فمن ذلك بعض ما أنا كاتب في كتابي هذا من أبواب الأدب التي يحتاج إليها الناس.
يا طالب الأدب:
يا طالب الأدب إن كنت نوع العلم تريد, فاعرف الأصول والفصول2, فإن كثيرًا من الناس يطلبون الفصول مع إضاعة الأصول, فلا يكون دركهم3 دركًا, ومن أحرز الأصول اكتفى بها عن الفصول, وإن أصاب الفصل بعد إحراز الأصل, فهو أفضل.
فأصل الأمر في الدين أن تعتقد الإيمان على الصواب، وتجتنب الكبائر، وتؤدي الفريضة, فالزم ذلك لزوم من لا غنى له عنه,
__________
1 الضروب: الأنواع.
2 الأصول: القوانين والقواعد التي يبنى عليها العلم, الفصول: الفروع.
3 الدرك: اللحاق والوصول إلى الشيء.

الصفحة 65