كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

وقد علمت أنه من فرَّط في سخرة الملوك أهلكوه, فلا تجعل للهلاك على نفسك سلطانًا, ولا سبيلًا.
إياك, وحب المدح:
وإياك إذا كنت واليًا، أن يكون من شأنك حب المدح والتزكية1, وأن يعرف الناس ذلك منك، فتكون ثلمة2 من الثلم, يتقحمون عليك منها، وبابًا, يفتتحونك منه، وغيبة3, يغتابونك بها, ويضحكون منك لها.
واعلم أن قابل المدح كمادح نفسه, والمرء جدير أن يكون حبه المدحَ هو الذي يحمله على رده, فإن الرادَّ له محمود، والقابل له معيب.
لتكن حاجتك في الولاية إلى ثلاث خصال: رضى ربك, ورضى سلطان، إن كان فوقك، ورضى صالح من تلى عليه.
ولا عليك4 أن تلهو عن المال والذكر، فسيأتيك منها ما يحسن, ويطيب, ويكتفى به.
واجعل الخصال الثلاث منك بمكان ما لا بد لك منه, واجعل المال والذكر بمكان ما أنت واجد منه بدًا.
__________
1 التزكية: من زكى نفسه: مدحها.
2 الثلمة: فرجة المكسور, والمهدوم.
3 الغيبة: ذكر المرء بما يسوؤه أثناء غيابه.
4 لا عليك: لا بأس عليك.

الصفحة 69