كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

بها، والأبواب التي لا يخافك خائف إلا من قِبَلِها.
احرص الحرص كله على أن تكون خابرًا أمور عمالك، فإن المسيء يفرق1 من خبرتك, قبل أن تصيبه عقوبتك، وإن المحسن يستبشر بعلمك, قبل أن يأتيه معروفك.
ليعرف الناس، في ما يعرفون من أخلاقك، أنك لا تعاجل بالثواب, ولا بالعقاب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف, ورجاء الراجي.
عَوِّدْ نفسك الصبر على من خالفك من ذوي النصيحة، والتجرع لمرارة قولهم, وعذلهم، ولا تسهلن سبيل ذلك إلا لأهل العقل والسن والمروءة؛ لئلا ينتشر من ذلك ما يجترئ به سفيه, أو يستخف به شَانِئٌ2.
مباشرة الصغير تضيع الكبير:
لا تتركن مباشرة جسيم أمرك, فيعود شأنك صغيرًا، ولا تلزمن نفسك مباشرة الصغير، فيصير الكبير ضائعًا.
واعلم أن مالك لا يغني الناس كلهم, فاخصص به أهل الحق، وأن كرامتك لا تطيق العامة كلها, فَتَوَخَّ3 بها أهل الفضل، وأن قلبك لا يتسع لكل شيء, ففرغه للمهم، وأن ليلك ونهارك
__________
1 يفرق: يخاف.
الشانئ: المبغض.
3 توخَّي الأمر: تحراه في الطلب, وتعمده دون سواه.

الصفحة 71