كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

الاعتدال في الكلام, والسلام:
إذا كان سلطانك عند جِدَّةِ1 دولة، فرأيت أمرًا استقام بغير رأي، وأعوانًا أجزوا2 بغير نيل، وعملًا أنجح3 بغير حزم، فلا يغرنك ذلك, ولا تستنيمن إليه, فإن الأمر الجديد ربما يكون له مهابة في أنفس أقوام, وحلاوة في قلوب آخرين، فيعين قوم على أنفسهم, ويعين قوم بما قبلهم, ويستتبَّ4 ذلك الأمر غير طويل, ثم تصير الشؤون إلى حقائقها, وأصولها.
فما كان من الأمور بُنِيَ على غير أركان وثيقة, ولا دعائم محكمة, أوشك أن يتداعى, ويتصدع.
لا تكونن نزر6 الكلام والسلام، ولا تبلغن بهما إفراط الهشاشة والبشاشة7؛ فإن إحداهما من الكبْر, والأخرى من السخف8.
__________
1 الجدة: ضد القِدَم.
2 الإجزاء: الكفاية.
3 أنجح الأمر: تيسر.
4 يستتب: يستوي, ويستقيم.
5 يتداعى: يؤذن بالسقوط. ويتصدع: يتشقق.
6 نزر: قليل.
7 الهشاشة، من هش له: تبسم له. البشاشة، من بش له: أقبل عليه, وفرح به.
8 الكبر: التجبر: السخف: رقة العقل.

الصفحة 74