كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

بالوحشة والغربة، إلا أن تكلمه على رؤوس الناس، فلا تألُ1 عما عظمه, ووقره.
لا يعرفنك الولاة بالهوى في بلد من البلدان, ولا قبيلة من القبائل، فيوشك أن تحتاج فيهما إلى حكاية أو شهادة، فتتهم في ذلك.
فإذا أردت أن يقبل قولك, فصحح رأيك, ولا تشوبنه2 بشيء من الهوى، فإن الرأي الصحيح يقبله منك العدو، والهوى يرده عليك الولد والصديق.
وأحقُّ من احترست من أن يظن بك خلط الرأي بالهوى الولاة، فإنها خديعة وخيانة وكفر عندهم.
إن ابتليت بصحبة والٍ لا يريد صلاح رعيته, فاعلم أنك قد خيرت بين خلتين3, ليس منهما خيار:
إما الميل مع الوالي على الرعية، وهذا هلاك الدين.
وإما الميل مع الرعية على الوالي، وهذا هلاك الدنيا، ولا حيلة لك إلا الموت, أو الهرب.
واعلم أنه لا ينبغي لك، وإن كان الوالي غير مرضيِّ السيرة إذا علقت حبالك بحباله، إلا المحافظة عليه، إلا أن تجد إلى الفراق الجميل سبيلًا.
__________
1 لا تأل: لا تقصر.
2 لا تشوبنه: لا تخلطنه.
3 الخلة: الخصلة.

الصفحة 82