كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

وإن أبطأ عليك, ولكن أطلب ما قبله بالاستحقاق له، واستأن1 به وإن طالت الأناة منه2, فإنك إذا استحققته أتاك عن غير طلب، وإن لم تستبطئه كان أعجل له.
لا تخبرن الوالي أن لك عليه حقًا، وأنك تعتد عليه ببلاء3, وإن استطعت ألا ينسى حقك وبلاءك, فافعل, وليكن ما يذكره به من ذلك تجديدك له النصيحة والاجتهاد، وألا يزال ينظر منك إلى آخر يذكره أول بلائك.
واعلم أن السلطان إذا انقطع عنه الآخر نسي الأول، وأن الكثير من أولئك أرحامهم4 مقطوعة, وحبالهم مصرومة، إلا عمن رضوا عنه, وأغنى عنهم في يومهم وساعتهم.
إياك أن يقع في قلبك تعتب على الوالي, أو استزراء له.
فإنه إن وقع في قلبك بدا في وجهك، إن كنت حليمًا، وبدا على لسانك، إن كنت سفيهًا.
فإن لم يزد ذلك على أن يظهر في وجهك لآمن الناس عندك, فلا تأمنن أن يظهر ذلك للوالي, فإن الناس إلى السلطان بعورات6 الإخوان سراع، فإذا ظهر
__________
1 استأن: تمهل، وترفق.
2 الأناة: الرفق, والتمهل.
3 اعتد بالشيء: أدخله في العد, والحساب. البلاء: الاختبار بعد إظهار البأس.
4 الأرحام: القرابات.
5 أغنى عنهم: نفعهم.
6 العورات: العيوب, والمساوئ.

الصفحة 84