كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

من عنده فلا تبادرَنَّ بالجواب، ولا تسابق الجلساء، ولا تواثب بالكلام مواثبة, فإن ذلك يجمع مع شين1 التكلف, والخفة, أنك إذا سبقت القوم إلى الكلام صاروا لكلامك خصماء, فتعقبوه بالعيب والطعن, وإذا أنت لم تعجل بالجواب, وخليته للقوم، اعترضت2 أقاويلهم على عينك، ثم تدبرتها, وفكرت في ما عندك، ثم هيَّأت من تفكيرك, ومحاسن ما سمعت جوابًا رضيًا، ثم استدبرت به أقاويلهم حين تصيخ3 إليك الأسماع, ويهدأ عنك الخصوم.
وإن لم يبلغك الكلام حتى يكتفى بغيرك، أو ينقطع الحديث قبل ذلك، فلا يكون من العيب عندك, ولا من الغبن4 في نفسك فوت ما فاتك من الجواب.
فإن صيانة القول خير من سوء وضعه، وإن كلمة واحدة من الصواب تصيب موضعها خير من مئة كلمة تقولها في غير فرصها ومواضعها. مع أن كلام العجلة والبدار موكل به الزلل, وسوء التقدير، وإن ظن صاحبه أنه قد أتقن وأحكم.
وأعلم أن هذه الأمور لا تدرك, ولا تملك إلا برحب الذرع5
__________
1 الشين: العيب.
2 اعترضتها: أمررتها من أمام بصرك، من قولهم: اعترض القائد الجند، إذا عرضهم واحدًا بعد واحد.
3 تصيخ: تصغي.
4 من قولهم: غبن فلانًا في البيع أو الشراء, إذا خدعه وغلبه.
5 رحب الذرع: سعة قوته. الذرع: بسط اليد.

الصفحة 89