كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

لا تجترئن على خلاف أصحابك عند الوالي؛ ثقة باعترافهم لك, ومعرفتهم بفضل رأيك، فإنا قد رأينا الناس يعترفون بفضل الرجل, وينقادون له, وتعلمون منه، وهم أخلياء1. فإذا حضروا السلطان، لم يرضَ أحد منهم أن يقرَّ له، ولا أن يكون له عليه في الرأي والعلم فضل، فاجترأوا عليه بالخلاف والنقض.
فإن ناقضهم صار كأحدهم, وليس بواجد في كل حين سامعًا فهمًا أو قاضيًا عدلًا.
وإن ترك مناقضهم، كان مغلوب الرأي, مردود القول.
لكل أليف وجليس:
إذا أصبت عند السلطان لطف منزلة؛ لغناء2 يجده عندك, أو هوىً يكون له فيك, فلا تطمحن كل الطماح, ولا تزينن لك نفسك المزايلة له عن أليفه, وموضع ثقته, وسره قبلك: تريد أن تقلعه وتدخل دونه, فإن هذه خلة من خلال السفه قد يبتلى بها الحلماء عند الدنو من السلطان, حتى يحدث الرجل منهم نفسه أن يكون دون الأهل والولد؛ لفضل يظنه بنفسه, أو نقص يظنه بغيره.
__________
1 أخلياء: منفردون.
2 غناء: نفع وكفاية.
3 الطماح: الإبعاد في الطلب.
4 المزايلة: المفارقة.

الصفحة 91