كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

ولكل رجل من الملوك، أو ذي هيئة من السوقة، أليف وأنيس، قد عرف روحه، واطلع على قلبه, فليست عليه مؤونة في تبذل يتبذله1 عنده، أو رأي يستبين منه، أو سر يفشيه إليه، غير أن تلك الأنسة2، وذلك الإلف، يستخرج من كل واحد منهما ما لم يكن ليظهر منه عند الانقباض والتشدد، ولو التمس ملتمس مثل ذلك عند من يستأنف ملاطفته، ومؤانسته، ومناسمته3، وإن كان ذا فضل في الرأي وبسطة في العلم، لم يجد عنده مثل ما هو منتفع به، ممن هو دون ذلك في الرأي، ممن قد كفي مؤانسته، ووقع على طباعه.
لأن الأنسة روح4 للقلوب، وأن الوحشة روع عليها، ولا يلتاط6 بالقلوب إلا ما لان عليها، ومن استقبل الأنس بالوحشة استقبل أمرا ذا مؤونة.
فإذا كلفتك نفسك السمو إلى منزلة من وصفت لك، فاقدعها7 عن ذلك بمعرفة فضل الأليف والأنيس، وإذا حدثتك نفسك أو غيرك، ممن لعله أن يكون عنده فضل في مروءة،
__________
1 التبذل: ترك الاحتشام والتصاون.
2 الأنسة: ضد الوحشة.
3 المناسمة: المسارة.
4 الروح: الراحة.
5 الروع: الذعر.
6 يلتاط: يلتصق.
7 اقدعها: كفها وامنعها.

الصفحة 92