كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

أنك أولى بالمنزلة عند السلطان من بعض دخلائه وثقاته, فاذكر الذي على السلطان من حق أليفه, وثقته, وأنيسه في التكرمة, والمكانة والرأي، والذي يعينه على ذلك من الرأي أنه يجد عنده من الإلف والأنس ما ليس واجدًا عند غيره.
فليكن هذا مما تتحفظ فيه على نفسك، وتعرف فيه عذر السلطان ورأيه.
والرأي لنفسك مثل ذلك، إن أرادك مريد على الدخول، دون أليفك وأنيسك، وموضع ثقتك، وسرك، وجدك، وهزلك.
واعلم أنه يكاد يكون لكل رجل غالبة حديث لا يزال يحدث به: إما عن بلد من البلدان، أو ضرب من ضروب العلم، أو صنف من صنوف الناس، أو وجه من وجوه الرأي، وعندما يغرم به الرجل من ذلك يبدو منه السخف1، ويعرف منه الهوى، فاجتنب ذلك في كل موطن، ثم عند السلطان خاصة.
احتمل ما خالفك من رأي السلطان:
لا تشكون إلى وزراء السلطان، ودخلائه ما اطلعت عليه من رأي تكرهه له؛ فإنك لا تزيد على أن تفطنهم لهواه، أو تقربهم منه، وتغريهم2 بتزيين ذلك، والميل عليك معه.
__________
1 السخف: نقص العقل.
2 أغراه بالشيء: ولعه به، وحضه عليه.

الصفحة 93