كتاب الأدب الصغير والأدب الكبير

واعلم أن الرجل ذا الجاه عند السلطان والخاصة، لا محالة أن يرى من الوالي ما يخالفه من الرأي في الناس والأمور، فإذا آثر1 أن يكره كل ما خالفه، أوشك أن يمتعض من الجفوة2، يراها في المجلس، أو النبوة3 في الحاجة، أو الرد للرأي، أو الإدناء لمن لا يهوى إدناءه، أو الإقصاء لمن يكره إقصاءه.
فإذا وقعت في قلبه الكراهية؛ تغير لذلك وجهه، ورأيه وكلامه، حتى يبدو ذلك للسلطان وغيره، فيكون ذلك لفساد منزلته، ومروءته سببا وداعيا.
فذلل نفسك باحتمال ما خالفك من رأي السلطان، وقررها على أن السلطان إنما كان سلطانا؛ لتتبعه في رأيه، وهواه، وأمره، ولا تكلفه اتباعك، وتغضب من خلافه إياك.
تصحيح النصيحة للسلطان:
اعلم أن السلطان يقبل من الوزراء التبخيل4، ويعده منهم شفقة ونظرا له، ويحمدهم عليه، فإن كان جوادا وكنت مبخلا، شنت صاحبك بفساد مروءته، وإن كنت مسخيًا، 5،
__________
1 آثر: فضل واختار.
2 يمتعض: يغضب، الجفوة: البعد.
3 النبوة: الارتداد.
4 التبخيل: الترغيب في البخل.
5 مسخيًا: مرغبا في الكرم والسخاء.

الصفحة 94