كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 20)

ولما انصرف قام قائما ثم قال عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله (ثلاث مرات) ثم تلا قوله عز وجل (فاجتنبوا الرجس من الآوثان واجتنبوا قول الزور) وروى محارب بن دثار عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ (شاهد الزور لا يزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار ويثبت أنه شاهد زور) من ثلاثة أوجه (أحدها) أن يقر أنه شاهد زور
(والثانى)
أن تقوم البينة أنه شاهد زور (والثالث) أن يشهد بما يقطع بكذبه بأن شهد على رجل أنه قتل أوزنى في وقت معين في فوضع معين، والمشهود عليه في ذلك الوقت كان في بلد آخر، وأما إذا شهد بشئ أخطأ فيه فلم يكن شاهد زور لانه لم يقصد الكذب.
وإن شهد لرجل بشئ وشهد به آخر أنه لغيره لم يكن شاهد زور، لانه ليس تكذيب أحدهما بأولى من تكذيب الآخر فلم يقدح ذلك في عدالته.
وإذا ثبت أنه شاهد زور ورأى الامام تعزيره بالضرب أو الحبس أو الزجر فعل، وإن رأى أن يشهر أمره في صوته ومصلاه وقبيلته وينادى عليه أنه شاهد زور فاعرفوه فعل، لما روى بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذكروا الفاسق بما فيه ليحذره الناس) ولان في ذلك زجرا له ولغيره عن فعل مثله.
وحكى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال (إن كان من أهل الصيانة لم يناد عليه لقوله عليه الصلاة والسلام (أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم) وهذا غير صحيح لان بشهادة الزور يخرج عن أن يكون من أهل الصيانة.

(فصل)
ولا تقبل شهادة جار إلى نفسه نفعا ولا دافع عن نفسه ضررا لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى إحنة) والظنين المتهم، والجار إلى نفسه نفعا والدافع عنها ضررا متهمان، فإن شهد المولى لمكاتبه بمال لم تقبل شهادته لانه يثبت لنفسه حقا، لان مال المكاتب يتعلق به حق المولى.
وإن شهد الوصي اليتيم والوكيل للموكل فيما فوض النظر فيه إليه لم تقبل لانهما يثبتان لانفسهما حق المطالبة والتصرف، وان وكله في شئ ثم عزله لم يشهد فيها

الصفحة 232