كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 20)

آخر إذا كانا من أباعد العصبات بحيث لا يصل العقل اليهما حتى يموت من قبلهما قبلت شهادتهما، فمن أصحابنا من نقل جواب إحداهما إلى الآخرى وجعلهما على قولين:
(أحدهما)
أنه تقبل لانهما في الحال لا يحملان العقل.

(والثانى)
أنه لا تقبل لانه قد يموت القريب قبل الحول ويوسر الفقير فيصيران من العاقلة، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال تقبل شهادة الاباعد ولا تقبل شهادة القريب الفقير، لان القريب معدود في العاقلة واليسار يعتبر عند الحول وربما يصير موسرا عند الحول، والبعيد غير معدود في العاقلة وانما يصير من العاقلة إذا مات الاقرب.

(فصل)
ولا تقبل شهادة الوالدين للاولاد وان سفلوا، ولا شهادة الاولاد للوالدين وان علوا وقال المزني رحمه الله وأبو ثور: تقبل، ووجهه قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فعم ولم يخص، ولانهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابْنِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى احنة) والظنين المتهم، وهذا متهم لانه يميل إليه ميل الطبع، ولان الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال عليه السلام: يا عائشة ان فاطمة بضعة منى يربينى ما يربيها) ولان نفسه كنفسه وماله كماله، ولهذا قال عليه السلام لابي معشر الدرامى:
أنت ومالك لابيك.
وقال صلى الله عليه وسلم: ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وان ولده من كسبه، ولهذا يعتق عليه إذا ملكه ويستحق عليه النفقة إذا احتاج، والآية نخصها بما ذكرناه.
والاستدلال بأنهم كغيرهم في العدالة يبطل بنفسه فإنه كغيره في العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق.
ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد في ايجاب القصاص وحد القذف لانه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الاول لانه انما ردت شهادته له للتهمة ولا تهمة في شهادته عليه.

الصفحة 234