كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)
الرشاطي: افتتحت فِي سنة أَربع وَعشْرين فِي خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على يَد سلمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، قَالَ: وَأَهْلهَا بَنو أرمي بن أرم بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وأذربيجان بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء الْمَفْتُوحَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة ثمَّ الْيَاء آخر الْحُرُوف الساكنة ثمَّ الْجِيم وَالْألف وَالنُّون، وَقَالَ ابْن قرقول: فتح عبد الله بن سُلَيْمَان الْيَاء، وَعَن الْمُهلب بِالْمدِّ وَكسر الرَّاء بعْدهَا يَاء سَاكِنة بعْدهَا بَاء مَفْتُوحَة، وَقَالَ أَبُو الْفرج: ألفها مَقْصُورَة وذالها سَاكِنة كَذَلِك قِرَاءَته على أبي مَنْصُور، ويغلط من يمده. وَفِي المبتدىء: من يقدم الْيَاء أُخْت الْوَاو على الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ جهل، وَفِي النَّوَادِر لِابْنِ الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقوله بقصر الْهمزَة، وَكَذَا ذكره صَاحب تثقيف اللِّسَان وَلَكِن كسر الْهمزَة، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق البحتري: من الفصيح أذربيجان، وَقَالَ الجواليقي: الْهمزَة فِي أَولهَا أَصْلِيَّة لِأَن أذر مضموم إِلَيْهِ الآخر، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: اجْتمعت فِيهَا أَربع مَوَانِع من الصّرْف: العجمة والتعريف، والتأنيث والتركيب، وَهِي بَلْدَة بالجبال من بِلَاد الْعرَاق يَلِي كور أرمينية من جِهَة الغرب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْأَشْهر عِنْد الْعَجم أذربايجان، بالمدو الْألف بَين الْمُوَحدَة والتحتانية، هُوَ بَلْدَة تبريز وقصباتها. قَوْله: (مَعَ أهل الْعرَاق) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي أهل الْعرَاق. قَوْله: (فأفزع) من الإفزاع، و (حُذَيْفَة) بِالنّصب. مَفْعُوله، (وَاخْتِلَافهمْ) بِالرَّفْع فَاعله، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه: فيتناز عون فِي الْقُرْآن حَتَّى سمع حُذَيْفَة من اخْتلَافهمْ مَا ذعره، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فتذاكروا الْقُرْآن وَاخْتلفُوا فِيهِ حَتَّى كَاد يكون بَينهم فتْنَة، وَفِي رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة أَن حُذَيْفَة قدم من غَزْوَة فَلم يدْخل بَيته حَتَّى أَتَى عُثْمَان فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدْرك النَّاس! قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: غزوت فرج أرمينية فَإِذا أهل الشَّام يقرأون بِقِرَاءَة أبي بن كَعْب فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل الْعرَاق، وَإِذا أهل الْعرَاق يقرأون بِقِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فَيَأْتُونَ بِمَا لم يسمع أهل الشَّام فيكفر بَعضهم بَعْضًا انْتهى. وَكَانَ هَذَا سَببا لجمع عُثْمَان الْقُرْآن فِي الْمُصحف، وَالْفرق بَينه وَبَين الصُّحُف أَن الصُّحُف هِيَ الأوراق المحررة الَّتِي جمع فِيهَا الْقُرْآن فِي عهد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَت سورا مفرقة كل سُورَة مرتبَة بآياتها على حِدة، لَكِن لم يرتب بَعْضهَا إِثْر بعض، فَلَمَّا نسخت ورتب بعصها إِثْر بعض صَارَت مُصحفا، وَلم يكن مُصحفا إلاَّ فِي عهد عُثْمَان، على مَا ذكر فِي الحَدِيث من طلب عُثْمَان الصُّحُف من حَفْصَة وَأمره للصحابة الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث بِكِتَابَة مصاحف وإرساله إِلَى كل نَاحيَة بمصحف، قَوْله: (فَأمر زيد بن ثَابت) هُوَ الْأنْصَارِيّ، والبقية قرشيون. قَوْله: (فنسخوها) أَي: الصُّحُف أَي: مَا فِي الصُّحُف الَّتِي أرسلتها حَفْصَة إِلَى عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (للرهط القرشيين) وهم عبد الله بن الزبير الْأَسدي وَسَعِيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث المخرومي. قَوْله: (فَإِنَّمَا نزل بلسانهم) أَي: فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش أَي: مُعظم الْقُرْآن، كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَأرْسل إِلَى كل أفق) أَي: نَاحيَة، وَيجمع على: آفَاق، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: فَأرْسل إِلَى كل جند من أجناد الْمُسلمين بمصحف. وَاخْتلف فِي عدد الْمَصَاحِف الَّتِي أرسل بهَا عُثْمَان إِلَى الْآفَاق فَالْمَشْهُور أَنَّهَا خَمْسَة، وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف من طَرِيق حَمْزَة الزيات، قَالَ: أرسل عُثْمَان أَرْبَعَة مصاحف وَبعث مِنْهَا إِلَى الْكُوفَة بمصحف فَوَقع عِنْد رجل من مُرَاد فَبَقيَ حَتَّى كتبت مصحفي مِنْهُ، وَقَالَ ابْن أبي دَاوُد: وَسمعت أَبَا حَاتِم السجسْتانِي يَقُول: كتبت سَبْعَة مصاحف: إِلَى مَكَّة وَإِلَى الشَّام وَإِلَى الْيَمين وَإِلَى الْبَحْرين وَإِلَى الْبَصْرَة وَإِلَى الْكُوفَة وَحبس بِالْمَدِينَةِ وَاحِدًا. قَوْله: (أَن يخرق) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة رِوَايَة الأكثين وبالمهملة رِوَايَة الْمروزِي وبالوجهين رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وبالمعجمة أثبت، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَن يُمحى أَو يحرق، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ إحراق الْقُرْآن؟ قلت: المحروق هُوَ الْقُرْآن الْمَنْسُوخ أَو الْمُخْتَلط بِغَيْرِهِ من التَّفْسِير أَو بلغَة غير قُرَيْش أَو الْقرَاءَات الشاذة، وَفَائِدَته أَن لَا يَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ، قلت: هَذِه الْأَجْوِبَة جَوَاب من لم يطلع على كَلَام الْقَوْم وَلم يتَأَمَّل مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله فِي آخر الحَدِيث وَقَالَ عِيَاض: غسلوها بِالْمَاءِ ثمَّ أحرقوها مُبَالغَة فِي إذهابها، وَعند أبي دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ: وَأمرهمْ أَن يحرقوا كل مصحف يُخَالف الْمُصحف الَّذِي أرسل بِهِ، قَالَ: فَذَلِك زمَان أحرقت الْمَصَاحِف بالعراق بالنَّار، وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا تَقولُوا لعُثْمَان فِي إحراق الْمَصَاحِف إلاَّ خيرا وَفِي رِوَايَة بكير بن الْأَشَج: فَأمر بِجمع الْمَصَاحِف فأحرقها ثمَّ بَث فِي الأجناد الَّتِي كتبت، وَمن طَرِيق مُصعب بن سعد قَالَ: أدْركْت النَّاس متوافرين حِين أحرق عُثْمَان الْمَصَاحِف، فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِك أَو قَالَ: لم يُنكر ذَلِك مِنْهُم أحد.
الصفحة 18
320