كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)

لَا يُعلمهُ كَانَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِيهِ خلاف، فَأجَاب قوم عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَقَدّم: إِنَّه فِي غير الْمَدْخُول بهَا، وَقَالَ الْجَصَّاص: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مُنكر. قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مراتان} (الْبَقَرَة: 922)) إِلَى آخِره وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن قَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} مَعْنَاهُ: مرّة بعد مرّة، فَإِذا جَازَ الْجمع بَين ثِنْتَيْنِ جَازَ بَين الثَّلَاث، وَأحسن مِنْهُ أَن يُقَال إِن قَوْله: {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922) عَام متناول لأيقاع الثَّلَاث دَفعه وَاحِدَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: أَنا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قِرَاءَة عَلَيْهِ، أَنا ابْن وهب أَخْبرنِي سُفْيَان الثَّوْريّ حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن سميع سَمِعت أَبَا رزين يَقُول: حاء رجل إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {أرأيتت قَول الله عز وَجل: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} (الْبَقَرَة: 922) أَيْن الثَّالِثَة؟ قَالَ: التسريح بِالْإِحْسَانِ، هَذَا إِسْنَاده صَحِيح وَلكنه مُرْسل، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قيس بن الرّبيع عَن إِسْمَاعِيل بن سميع عَن أبي رزين مُرْسلا، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن عبد الرَّحِيم حَدثنَا أَحْمد بن يحيى حَدثنَا عبيد الله بن جرير بن خَالِد حَدثنَا عَنْبَسَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} ذكر الله الطَّلَاق مرَّتَيْنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: {إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} .
وَقَالَ ابنُ الزّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لَا أرَى أنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ
أَي: قَالَ عبد الله بن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. فِي مَرِيض طلق امْرَأَته أَي: طَلَاقا باتا (لَا أرى) بِفَتْح الْهمزَة (أَن تَرث مبتوتته) أَي: الَّتِي طلقت طَلَاقا باتا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مبتوتة، بِقطع الضَّمِير لِأَنَّهُ يعلم أَنَّهَا متبوتة هَذَا الْمُطلق. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي قَول الرجل: أَنْت طَالِق الْبَتَّةَ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنَّهَا وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاث، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. . وَقَالَت طَائِفَة: الْبَتَّةَ ثَلَاث، رُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وَابْن عمر وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي عبيد، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم، قَالَ: حدقنا يحيى بن سعيد الْقطَّان قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ ابْن الزبير عَن المبتوتة فِي الْمَرَض فَقَالَ: طلق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ابْنة الإصبغ الْكَلْبِيَّة فبتها ثمَّ مَاتَ وَهِي فِي عدتهَا فَورثَهَا عُثْمَان، قَالَ ابْن الزبير: وَأما أَنا فَلَا أرى أَن تَرث المبتوتة.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَرِثُهُ
أَي: قَالَ عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ: تَرث المبتوتة زَوجهَا فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة، وَهَذَا التلعيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن أبي عوَانَة عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ فِي رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مَرضه، قَالَا: تَعْتَد عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وترثه مَا كَانَت فِي الْعدة، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْمُطلق ثَلَاثًا فِي مَرضه: تَرثه مَا دَامَت فِي الْعدة وَلَا يَرِثهَا، وَورث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أم الْبَنِينَ من عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لما احْتضرَ وَطَلقهَا، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: تَرثه مَا دَامَت فِي الْعدة، قَالَ طَاوُوس وَعُرْوَة بن الزبير وَابْن سِيرِين وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: يَقُولُونَ: كل من فر من كتاب الله رد إِلَيْهِ، وَقَالَ عِكْرِمَة: لَو لم يبْق من عدتهَا إلاَّ يَوْم وَاحِد ثمَّ مَاتَ ورثت، واستأنفت عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا.
وَقَالَ ابنُ شُبْرُمَةَ تَزَوَّجُ إذَا انْقَضَتِ العِدَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أرَأيْتَ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ فَرَجَعَ عَن ذالِكَ؟
أَي: قَالَ عبد الله بن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء: الضَّبِّيّ قَاضِي الْكُوفَة التَّابِعِيّ، يَعْنِي: قَالَ لِلشَّعْبِيِّ: تزوج أَي: هَل تتَزَوَّج هَذِه الْمَرْأَة بعد الْعدة وَقبل وَفَاة الزَّوْج الأول أم لَا؟ قَالَ: نعم أَي: قَالَ الشّعبِيّ: نعم تزوج، وأصل تزوج تتَزَوَّج وَهُوَ فعل مضارع، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ للتَّخْفِيف، كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {نَارا تلظى} (اللَّيْل: 41) أَصله: تتلظى. قَوْله: (قَالَ أَرَأَيْت؟) أَي: قَالَ ابْن شبْرمَة لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت؟ أَي: أَخْبرنِي أَن الزَّوْج الآخر إِذا مَاتَ تَرث مِنْهُ أَيْضا فَيلْزم إرثها من الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة. قَوْله: (فَرجع) أَي الشّعبِيّ عَن ذَلِك أَي: رَجَعَ عَمَّا قَالَه من أَنَّهَا تَرثه، مَا دَامَت فِي الْعدة، وَقد اختصر البُخَارِيّ هَذَا جدا.

9525 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أنّ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ السّاعِدِيَّ أخبرَهُ أنَّ عُوَيمِرا العَجلاَنِيَّ جاءَ إِلَى عاصِمٍ بنِ عَدِيٍّ الأنْصَارِيِّ فَقَالَ لهِ: يَا عاصَمُ! أرَأيْتُ رجُلاً

الصفحة 234