كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)

ابْن مَسْعُود حد شرب الْخمر. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا مَحْمُول على أَنه كَانَت ولَايَة إِقَامَة الْحُدُود لكَونه نَائِبا للْإِمَام عُمُوما أَو خُصُوصا وعَلى أَن الرجل اعْترف بشربها بِلَا عذرو إِلَّا فَلَا يحد بِمُجَرَّد رِيحهَا، وعَلى أَن التَّكْذِيب كَانَ بإنكار بعضه جَاهِلا إِذا لَو أنكر حَقِيقَة لكفر، وَقد أَجمعُوا على أَن من جحد حرفا معجما عَلَيْهِ من الْقُرْآن فَهُوَ كَافِر، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: فَضَربهُ الْحَد أَي: رَفعه إِلَى الإِمَام فَضَربهُ، وَأسْندَ الضَّرْب إِلَى نَفسه مجَازًا لكَونه كَانَ سَببا فِيهِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ جعل لَهُ ذَلِك من الْولَايَة أَو لِأَنَّهُ رأى أَنه أَقَامَ عَن الإِمَام بِوَاجِب أَو لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمَان ولَايَته الْكُوفَة فَإِنَّهُ وَليهَا فِي زمَان عمر، رَضِي الله عَنهُ، وصدرا من خلَافَة عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ. انْتهى. قَوْله: أَو لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمَان ولَايَته الْكُوفَة، مَرْدُود، وَذُهُول عَمَّا كَانَ فِي أول الْخَبَر أَن ذَلِك كَانَ بحمص، وَلم يلها ابْن مَسْعُود، وَإِنَّمَا دَخلهَا غازيا، وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله عَنهُ. وَقَول النَّوَوِيّ: على أَن الرجل اعْترف بشربها بِلَا عذر وإلاَّ فَلَا يحد بِمُجَرَّد رِيحهَا فِيهَا نظر لِأَن الْمَنْقُول عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يرى وجوب الْحَد بِمُجَرَّد وجود الرَّائِحَة.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي الحَدِيث حجَّة على من يمْنَع وجوب الْحَد بالرائحة كالحنيفة، وَقد قَالَ بِهِ مَالك وَأَصْحَابه وَجَمَاعَة من أهل الْحجاز. قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِم فِيهِ لِأَن ابْن مَسْعُود مَا حد الرجل إلاَّ باعترافه، لِأَن نفس الرّيح لَيْسَ بقطعي الدّلَالَة على شرب الْخمر لاحْتِمَال الِاشْتِبَاه أَلا يُرى أَن رَائِحَة السَّفَرْجل الْمَأْكُول يشبه رَائِحَة الْخمر، فَلَا يثبت إلاَّ بِشَهَادَة أَو باعتراف.

2005 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدَّقنا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ حَدثنَا مُسْلِمٌ عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عبْدُ الله، رضِيَ الله عَنهُ: وَالله الَّذي لَا إلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتابِ الله إلاّ أعْلَمُ أيْن أُنْزِلَتْ ولاَ. أنْزِلَتْ ولاَ أنْزلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتابِ الله إلاّ أَنا أعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَو أعْلَمَ مِنِّي بِكتاب الله تُبَلِّغُهُ الإبِلُ لَرَكِبْتُ إلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: (فيمَ أنزلت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيمَا، على الأَصْل. قَوْله: (وَلَو أعلم أحدا تبلِّغه الْإِبِل) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تبلغنيه. قَوْله: (لركبت إِلَيْهِ) ويروي: لرحلت إِلَيْهِ.
وَفِيه جَوَاز ذكر الْإِنْسَان نَفسه بِمَا فِيهِ من الْفَضِيلَة بِقدر الْحَاجة، وَأما المذموم فَهُوَ الَّذِي يَقع من الشَّخْص فحرا وإعجابا.

3005 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتَادَةُ قَالَ: سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ، رضِي الله عنهُ: مَنْ جَمَعَ القُرْآنَ علَى عِهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأنْصارِ: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ وأبُو زَيْدٍ رضِيَ الله عَنهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَرْبَعَة) وهم الْقُرَّاء من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي، وَهَمَّام بن يحيى.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن سُلَيْمَان بن معبد.
قَوْله: (أَرْبَعَة) أَي: جمعه أَرْبَعَة. قَوْله: (أبي بن كَعْب) أَي: أحدهم أبي بن كَعْب، وَالثَّانِي: معَاذ بن جبل، وَالثَّالِث: زيد بن ثَابت وَالرَّابِع: أَبُو زيد اسْمه سعد بن عبيد الأوسي، وَقيل: قيس بن السكن الخزرجي، وَقيل: ثَابت بن زيد الأشْهَلِي، تقدم فِي مَنَاقِب زيد بن ثَابت، وَلَيْسَ فِي ظَاهر الحَدِيث مَا يدل على الْحصْر لِأَن جمَاعَة من الصَّحَابَة غَيرهم قد جمعُوا على مَا تبينه الْآن، وَأَنه لامفهوم لَهُ فلاف يلْزم أَن لَا يكون غَيرهم جمعه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة عَن أنس: لم يجمع الْقُرْآن على عهد سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ أَرْبَعَة وَكَذَا فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ. قلت: قد قُلْنَا إِنَّه لَا مَفْهُوم لَهُ لِأَنَّهُ عدد.
وَلَئِن سلمنَا فَالْجَوَاب من وُجُوه: الأول: أُرِيد بِهِ الْجمع بِجَمِيعِ وجوهه ولغاته وحروفه، وقراآته الَّتِي أنزلهَا الله عز وَجل. وَأذن للْأمة فِيهَا وَخَيرهَا فِي الْقِرَاءَة بِمَا شَاءَت مِنْهَا. الثَّانِي: أُرِيد بِهِ الْأَخْذ من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلقينا وأخذا

الصفحة 26