كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)

فِي لَيْلَةٍ؟ فَشَقَّ ذالِكَ عَلَيْهِمْ وقالُوا: أَيّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رسولُ الله؟ فَقَالَ: الله الوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ القُرْآنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الله الْوَاحِد الصَّمد ثلث الْقُرْآن) ، وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعَن الضَّحَّاك بن شرَاحِيل، وَيُقَال: ابْن شُرَحْبِيل وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر يَأْتِي فِي كتاب الْأَدَب وَحكى الْبَزَّار أَن بَعضهم زعم أَنه الضَّحَّاك بن مزاجم وَهُوَ غلط.
قَوْله: (المشرقي) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء: نِسْبَة إِلَى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد، بطن من هَمدَان، وَهَكَذَا ضَبطه العسكري. وَقَالَ: من فتح الْمِيم فقد صحف، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ابْن أبي حَاتِم فَإِنَّهُ قَالَ: مشرق مَوضِع بِالْيمن، وَضَبطه بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مَاكُولَا وتبعهما السَّمْعَانِيّ فِي مَوضِع، ثمَّ ذهل فَذكره بِكَسْر الْمِيم، كَمَا قَالَ العسكري، لَكِن جعل قافه فَاء ورد عَلَيْهِ ابْن الْأَثِير فَأصَاب فِيهِ. قَوْله: (أَيعْجزُ؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. ويعجز بِكَسْر الْجِيم لِأَنَّهُ من بَاب ضرب يضْرب. وَأما عجزت الْمَرْأَة تعجز من بَاب نصر ينصر فَمَعْنَاه: صَارَت عجوزا بِفَتْح الْعين وعجوز بِالضَّمِّ مصدر عُجزت الْمَرْأَة وَأما عجزت الْمَرْأَة بِكَسْر الْجِيم تعجز من بَاب علم يعلم عَجزا بِفتْحَتَيْنِ وعجزا بِضَم الْعين وَسُكُون الْجِيم فَمَعْنَاه: عظمت عجيزتها. قَوْله: (الْوَاحِد الصَّمد) كِنَايَة عَن {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) فِيهَا ذكر الإل هية والوحدة والصمدية، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش فَقَالَ: يقْرَأ {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) فَهِيَ ثلث الْقُرْآن.
قَالَ الفِرَبْرِي: سمِعْتُ أَبَا جَعْفرٍ مُحَمَّدَ بنَ أبي حاتِم ورَّاقَ أبي عبْدِ الله يقُولُ: قَالَ أبُو عبْدِ الله: عنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ. وعنِ الضَّحَّاكِ المِشْرَقِيِّ مُسْنَدٌ

هَذَا ثَبت عِنْد أبي ذَر عَن شُيُوخه، والفربري هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر بن صَالح بن بشر، ونسبته إِلَى فربر قَرْيَة بَينهَا وَبَين بخاري ثَلَاث مراحل، وَقَالَ: سمع كتاب الصَّحِيح لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل تسعون ألف رجل فَمَا بَقِي أحد يرويهِ غَيْرِي، مَاتَ سنة عشْرين وثلاثمائة، وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن أبي حَاتِم كَانَ يورق للْبُخَارِيّ أَي ينْسَخ لَهُ، وَكَانَ من الملازمين لَهُ العارفين بِهِ المكثرين عَنهُ. قَوْله: (وراق أبي عبد الله) . هُوَ البُخَارِيّ. وَكَذَلِكَ قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ. قَوْله: (عَن إِبْرَاهِيم) النَّخعِيّ عَن أبي سعيد (مُرْسل) وَهَذَا مُنْقَطع فِي اصْطِلَاح الْقَوْم، وَلَكِن البُخَارِيّ أطلق على الْمُنْقَطع لفظ الْمُرْسل. قَوْله: (وَعَن الضحك) أَي: الَّذِي يرويهِ عَن ابْن سعيد (مُسْند) يَعْنِي مُتَّصِل.

41 - (بابُ فَضْل المُعَوِّذَاتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل المعوذات، وَهِي بِكَسْر الْوَاو جمع معوذة وَالْمرَاد بهَا السُّور الثَّلَاث وَهِي: سُورَة الْإِخْلَاص وَسورَة الفلق وَسورَة النَّاس، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الثَّلَاثَة وَأحمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث عقبَة بن عَامر، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل هُوَ الله أحد} (الْإِخْلَاص: 1) و {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} (الفلق: 1) و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} (النَّاس: 1) تعوّذ بِهن فَإِنَّهُ لم يتَعَوَّذ بمثلهن وَفِي لفظ: اقْرَأ المعوذات دبر كل صَلَاة، فَذَكرهنَّ فَإِن قلت: التَّعَوُّذ ظَاهر فِي المعوذتين، وَكَيف هُوَ فِي سُورَة الْإِخْلَاص؟ قلت: لأجل مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من صفة الرب أطلق عَلَيْهِ المعوذ وَإِن لم يُصَرح فِيهِ. وَمِنْهُم من ظن أَن الْجمع فِيهِ من بَاب إِن أقل الْجمع اثْنَان. وَلَيْسَ كَذَلِك، فَافْهَم.

6105 - حدَّثناعبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخْبرنا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رضيَ الله عَنْهُمَا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إِذا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ويَنْفُثُ فلَمَّا اشْتَدَّ وجعَهُ كُنْتُ أقْرَأُ علَيْهِ وأمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ وَفِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطِّبّ عَن سهل بن أبي سهل وَعَن غَيره.
قَوْله: (إِذا اشْتَكَى) أَي: إِذا مرض قَوْله: (ينفث) من النفث وَهُوَ إِخْرَاج الرّيح من الْفَم مَعَ شَيْء من الرِّيق.

الصفحة 34