كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)
7105 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا المُفَضَّلُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا أوَى إِلَى فِرَاشِهِ كلَّ لَيْلةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهما فقَرَأ فِيهِما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الْإِخْلَاص: 1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (الفلق: 1) وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (النَّاس: 1) ثُمَّ يَمْسَحُ بِهما مَا اسْتَطاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِما علَى رَأْسِهِ وَوجْهِهِ وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن الْمفضل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْمُعْجَمَة، وَهَذَا الحَدِيث غير الحَدِيث الأول، وجعلهما أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي حَدِيثا وَاحِدًا وَعَابَ ذَلِك عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَفرق بَينهمَا فِي كِتَابه، وَكَذَا فعله خلف الوَاسِطِيّ، وأجدر بِهِ أَن يكون صَوَابا لتباينهما.
قَوْله: (إِذا أَوَى) ، يُقَال: أويت إِلَى منزلي، بقصر الْألف، وأويت غَيْرِي وآويته بِالْقصرِ وَالْمدّ. وَأنكر بَعضهم الْمَقْصُور الْمُتَعَدِّي، وأبى ذَلِك الْأَزْهَرِي فَقَالَ: هِيَ لُغَة فصيحة. قَوْله: (يبْدَأ بهما) . إِلَخ. وَعلم الْمُبْتَدَأ من لفظ: يبْدَأ، وَأما الْمُنْتَهى فَلَا يعلم إلاَّ من مُقَدّر تَقْدِيره: ثمَّ يَنْتَهِي إِلَى مَا أدبر من جسده. قَالَ المطهري فِي شرح المصابيح: ظَاهر الحَدِيث يدل على أَنه نفث فِي كَفه أَولا ثمَّ ققرأ وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد وَلَا فَائِدَة فِيهِ. وَلَعَلَّه سَهْو من الرَّاوِي، والنفث يَنْبَغِي أَن يكون بعد التِّلَاوَة ليوصل بركَة الْقُرْآن إِلَى بشرة القارىء أَو المقروء لَهُ، وَأجَاب الطَّيِّبِيّ عَنهُ: بِأَن الطعْن فِيمَا صحت رِوَايَته لَا يجوز، وَكَيف وَالْفَاء فِيهِ مثل مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قَرَأت القرآة فاستعذ} (النَّحْل: 89) فَالْمَعْنى: جمع كفيه ثمَّ عزم على النفث فِيهِ أَو لَعَلَّ السِّرّ فِي تَقْدِيم النفث فِيهِ مُخَالفَة السَّحَرَة، وَالله أعلم.
51 - (بابُ نُزُولِ السَّكينَةِ والمَلاَئِكَةُ عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة نزُول السكينَة، وَعطف عَلَيْهَا الْمَلَائِكَة. قيل: جمع بَينهمَا وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب ذكر السكينَة، وَلَا فِي حَدِيث الْبَراء السَّابِق فِي فضل سُورَة الْكَهْف ذكر الْمَلَائِكَة، وَوجه ذَلِك مَا قَالَه أَبُو الْعَبَّاس بن الْمُنِير: فهم البُخَارِيّ تلازمهما، وَفهم من الظلة أَنَّهَا السكينَة، فَلهَذَا سَاقهَا فِي التَّرْجَمَة. وَقَالَ ابْن بطال: دلّ على أَن السكينَة كَانَت فِي تِلْكَ الظلة وَأَنَّهَا تنزل أبدا مَعَ الْمَلَائِكَة.
8105 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يَزِيدُ بنُ الهَادِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ البَقَرَةِ وفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عنْدَهُ، إذْ جالَتِ الْفَرَسُ فَسكَتَ فسَكَنَتْ. فَقَرَأ، فَجالَتِ الفَرَسُ فَسكَتَ فَسكَنَتِ الفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأ فَجالَتِ الفَرَسُ، فانْصَرَفَ وكانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبا منْها فأشْفَقَ أَن تُصِيبَهُ، فَلمَّا اجْتَرَّهُ رفَعَ رأسَهُ إِلَى السَّماءِ حَتَّى مَا يَراها، فَلما أصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لهُ: اقْرَأ يَا ابنَ حُضَيْرٍ، قَالَ: فأشْفَقْتُ يَا رسُولَ الله أنْ تَطأ يَحْيَى وَكَانَ منْها قَرِيبا، فَرَفَعْتُ رأسِي فانْصَرَفْتُ إليْهِ، فرَفَعْتُ رأسِي إِلَى السَّماء فإِذا مثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أمْثالُ المَصابِيحِ، فَخَرَجْتُ حتَّى لَا أرَاها، قَالَ: وتَدْرِي مَا ذَاكَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لصَوْتِكَ، ولَوْ قَرَأتَ لأصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إليْها لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ.
مطابقه للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن البُخَارِيّ فهم من الظلة السكينَة، وَأما الْمَلَائِكَة فَفِي قَوْله: (تِلْكَ الْمَلَائِكَة) وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن أُسَامَة بن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد بِحَذْف الْيَاء للتَّخْفِيف، وَسمي بالهاد لِأَنَّهُ كَانَ يُوقد ناره للأضياف وَلمن سلك الطَّرِيق لَيْلًا، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَقيل اسْم شَدَّاد أُسَامَة بن عَمْرو وَشَدَّاد لقب والهاد هُوَ عَمْرو وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَكَانَ شَدَّاد بن الْهَاد سلفا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلأبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَنَّهُ كَانَ تَحت سلمى بنت عُمَيْس أُخْت أَسمَاء بنت عُمَيْس وَهِي أُخْت
الصفحة 35
320