كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 20)
خلَافَة عُثْمَان وَأول ولَايَة الْحجَّاج الْعرَاق ثَمَان وَثَلَاثُونَ سنة. قَوْله: (قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي) أَي: قَالَ أَبُو عبد الرخمن السّلمِيّ: وَذَاكَ إِشَارَة إِلَى الحَدِيث الْمَرْفُوع أَي: إِن الحَدِيث الَّذِي حدث بِهِ عُثْمَان فِي أَفضَلِيَّة من تعلم الْقُرْآن وَعلمه حَملَنِي على أَن أقعدني مقعدي هَذَا وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَقْعَده الَّذِي كَانَ يقْرَأ النَّاس فِيهِ. وَفِي الْحَقِيقَة مُرَاده من المعقد الَّذِي أقعد فِيهِ مَنْزِلَته الَّتِي حصلت لع مَعَ طول الْمدَّة ببركة تَعْلِيمه الْقُرْآن الْكَرِيم للنَّاس، وَإِسْنَاده إِلَيْهِ إِسْنَاد مجازي، وَيُؤَيّد مَا ذكرنَا صَرِيحًا مَا رَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر وحجاج بن مُحَمَّد جَمِيعًا عَن شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سعد بن عُبَيْدَة قَالَ: قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن: فَذَاك الَّذِي أقعدني هَذَا المقعد وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض نسخ البُخَارِيّ: أَقْرَأَنِي، بِذكر الْمَفْعُول وَهَذَا أنسب لقَوْله: وَذَلِكَ أَي إقراؤه إيَّايَ هُوَ الَّذِي أقعدني فِي هَذَا المقعد الرفيع والمنصب الْجَلِيل، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: إِن الْكرْمَانِي كَأَنَّهُ ظن أَن قَائِل: وَذَاكَ الَّذِي أقعدني، هُوَ سعد بن عُبَيْدَة وَلَيْسَ كَذَلِك: بل هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن، وَلَو كَانَ كَمَا ظن للَزِمَ أَن تكون الْمدَّة الطَّوِيلَة سبقت لبَيَان زمَان قِرَاءَة أبي عبد الرَّحْمَن لسعد بن عُبَيْدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك وَأَيْضًا فَكَانَ يلْزم أَن يكون سعد بن عُبَيْدَة قَرَأَ على أبي عبد الرَّحْمَن من زمن عُثْمَان، وَسعد لم يدْرك زمَان عُثْمَان، فَإِن أكبر شيخ لَهُ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَقد عَاشَ بعد عُثْمَان خمس عشر سنة. انْتهى. قلت: مَا قَالَه هُوَ الصَّوَاب، وَقد تاه الْكرْمَانِي فِي هَذَا، وَمَا اكْتفى بنقله رِوَايَة: أَقْرَأَنِي الني مَا صحت حَتَّى بنى عَلَيْهَا كَلَامه الَّذِي صدر من غير روية.
8205 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَد عنْ أبي عبْدِ الرَّحْمانِ السُّلَمِيِّ عنْ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ أفْضَلَكُمْ مَنْ تَعلَّمَ القُرْآنَ أوْ عَلَّمَهُ.
(انْظُر الحَدِيث 7205) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِن أفضلكم) ، وَذكر فِي الطَّرِيق الْمَاضِي: خَيركُمْ، وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى لِأَن قَوْله: خَيركُمْ، تَقْدِيره: أخيركم، وَلَا شكّ أَن أخيرهم هُوَ أفضلهم. قَوْله: (أَو علمه) بِكَلِمَة: أَو ثَبت عِنْدهم وَقد ذكرنَا وَجهه، وَوَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق بشر بن السّري عَن سُفْيَان: خَيركُمْ أَو أفضلكم، وَوَقع التنويع بَين الْخَيْرِيَّة والأفضلية كَمَا نرَاهُ.
9205 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ هَوْنِ حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: أتَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأةٌ فقالَتْ: إنَّها قَدْ وهَبَتْ نَفْسَها لِلّهِ ولِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَالِي فِي النِّساءِ مِنْ حاجَةٍ، فَقَالَ رجُلٌ: زَوِّجْنِيها. قَالَ: أعْطِها ثَوْبا. قَالَ: لَا أجِدُ. قَالَ: أعْطِها ولوْ هاتَما مِنْ حَديدٍ، فاعْتَلَّ لهُ، فَقَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ قَالَ: كذَا وكَذَا. قَالَ: فقَدْ زَوَّجْتُكَها بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ..
قيل مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج الْمَرْأَة لحُرْمَة الْقُرْآن، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن السِّيَاق يدل على أَنه زَوجهَا لَهُ على أَن يعلمهَا قلت: فِي كل مِنْهُمَا نظر. أما الأول: فَلِأَن التَّرْجَمَة لَيست فِي بَيَان حُرْمَة الْقُرْآن، وَأما الثَّانِي: فدلالته على التَّزْوِيج على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَيُمكن أَن يُوَجه الْمُطَابقَة من قَوْله: كَذَا وَكَذَا أَي: سُورَة كَذَا، على مَا وَقع هَكَذَا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ أَن الْفضل ظهر على الرجل بحفظه كَذَا وَكَذَا، سُورَة، وَلم يحصل لَهُ هَذَا الْفضل إلاَّ من فضل الْقُرْآن، فَدخل تَحت قَوْله: (خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن) ، لِأَنَّهُ تعلم وَدخل فِي المتعلمين، وَدخل أَيْضا تَحت قَوْله: (وَعلمه) لِأَنَّهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا زوجه إِيَّاهَا على أَن يعلمهَا الْقُرْآن.
وَبَقِي الْكَلَام هُنَا فِي فُصُول.
الأول: فِي رجال الحَدِيث، وهم: عَمْرو بِالْفَتْح ابْن عون بن أَوْس الوَاسِطِيّ، نزل الْبَصْرَة وَرُوِيَ مُسلم عَنهُ بِوَاسِطَة، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي موضِعين.
الثَّانِي: أَنه أخرجه البُخَارِيّ هُنَا أَيْضا عَن قُتَيْبَة على مَا يَأْتِي، وَأخرجه أَيْضا فِي النِّكَاح فِي مَوَاضِع فِي: بَاب النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل التَّزْوِيج، عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بأتم من هَذَا، وَهنا اخْتَصَرَهُ فِي: بَاب إِذا قَالَ الْخَاطِب للْوَلِيّ:
الصفحة 44
320