كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 20)

[سورة الطارق (86): آية 9]
يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (9)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: الْعَامِلُ فِي يَوْمَ- فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْمَعْنَى إِنَّهُ عَلَى بَعْثِ الْإِنْسَانِ- قَوْلُهُ لَقادِرٌ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ رَجْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصِّلَةِ وَالْمَوْصُولِ بِخَبَرِ" إِنَّ". وَعَلَى الْأَقْوَالِ الْأُخَرِ الَّتِي فِي إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، يَكُونُ الْعَامِلَ فِي يَوْمَ فِعْلٌ مُضْمَرٌ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ لَقادِرٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الدُّنْيَا. وتُبْلَى أَيْ تُمْتَحَنُ وَتُخْتَبَرُ، وَقَالَ أَبُو الْغُولِ الطُّهَوِيُّ: «1»
وَلَا تَبْلَى بَسَالَتُهُمْ وَإِنْ هُمْ ... صَلُوا بِالْحَرْبِ حِينًا بَعْدَ حِينِ

وَيُرْوَى" تُبْلَى بَسَالَتُهُمْ". فَمَنْ رَوَاهُ تُبْلَى- بِضَمِّ التَّاءِ- جَعَلَهُ مِنَ الِاخْتِبَارِ، وَتَكُونُ الْبَسَالَةُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْكَرَاهَةَ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا كَرَاهَةٌ. وتُبْلَى تعرف. قال الرَّاجِزُ:
قَدْ كُنْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ تَزْدَرِينِي ... فَالْيَوْمَ أَبْلُوكَ وَتَبْتَلِينِي
أَيْ أَعْرِفُكَ وَتَعْرِفُنِي. وَمَنْ رَوَاهُ (تَبْلَى) - بِفَتْحِ التَّاءِ- فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَضْعُفُونَ عَنِ الْحَرْبِ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ عَلَيْهِمْ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمُورَ الشِّدَادَ إِذَا تَكَرَّرَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ هَدَّتْهُ وَأَضْعَفَتْهُ. وَقِيلَ: تُبْلَى السَّرائِرُ: أَيْ تُخْرَجُ مُخَبَّآتُهَا وَتُظْهَرُ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ اسْتَسَرَّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَضْمَرَهُ مِنْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ، كَمَا قَالَ الْأَحْوَصُ: «2»
سَيَبْقَى لَهَا فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا ... سريرة ود يوم تبلى السرائر
__________
(1). هو شاعر إسلامي، منسوب إلى" طهية"، بضم الطاء، وهى أم قبيلة من العرب.
(2). كذا ورد في بعض نسخ الأصل و (خزانة الأدب ج 1 ص 322 وفي بعض نسخ الأصل، والشعر والشعراء، و (كتاب الأغاني ج 4 ص 242 طبع دار الكتب المصرية):" ستبلى لكم ... ".

الصفحة 8