كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 20)

قال ابن عباس: «كالفَرَاشِ المبثُوثِ» كغوغاء الجراد، يركب بعضها بعضاً، كذلك الناس، يجول بعضهم في بعض إذا بعثوا.
فإن قيل كيف يشبهُ الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً، لأنه شبههم بالجراد المنتشر والفراش المبثوث؟ .
فالجواب: أما التشبيه بالفرش، فبذهاب كل واحد إلى جهة الآخر، وأما التشبيه بالجراد، فبالكثرة والتتابع، ويكون كباراً، ثم يكون صغاراً.
قوله: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} . أي: الصوف الذي ينفش باليد، أي: تصير هباء وتزول، كقوله تعالى: {هَبَآءً مُّنبَثّاً} [الواقعة: 6] .
قال أهل اللغة: العهنُ: الصوف المصبوغ. وقد تقدم.
قوله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} . في الموازين قولان:
أحدهما: أنه جمع موزون، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى، وهذا قول الفراء، ونظيره قولك: له عندي درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان ووزن دارك، أي: حذاؤها.
والثاني: قال ابن عباس: جمع ميزان لها لسان وكتفان يوزن فيه الأعمال.
[وقد تقدم القول في الميزان في سورة «الأعراف» و «الكهف» و «الأنبياء» ، وأنه له كفة ولسان يوزن فيها الصحف المكتوب فيها الحسنات، والسيئات.
ثم قيل: إنه ميزان واحد بيد جبريل عليه السلام يزن به أعمال بني آدم، فعبر عنه بلفظ الجمع.
وقيل: موازين لكل حادثة ميزان] .
وقيل: الموازين: الحجج والدلائل، قاله عبد العزيز بن يحيى.
واستشهد بقول الشاعر: [الكامل]
5292 - قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ ... عِنْدِي لكُلّ مُخَاصِم مِيزانهُ
ومعنى {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} ، أي: عيش مرضي، يرضاه صاحبه.

الصفحة 472