كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 20)

وَلكِنِ اذْهَبْ أَنتَ، يَا أبا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ الله بْنَ قَيسٍ" فَبَعَثَهُ عَلَى الْيَمَنِ. ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيهِ قَال: انْزِلْ. وَأَلْقَى لَهُ وسَادَةً. وإذا رَجُل عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَال: مَا هذَا؟ قَال: هذَا
ــ
صَلَّى الله عليه وسلم ما عند أبي موسى من عدم حرصه على الولاية ولاه العمل إذ لم يسأله ولا حرص عليه ومنعه الرجلين لحرصهما وسؤالهما على ما تقرر آنفًا من أن الحريص عليه مخذول والكاره لها معان ومما جرى من الكلام بهذا المعنى مجرى المثل (الحرص على الأمانة دليل الخيانة) (وقوله قلصت شفته) أي تقبضت وقصرت وكأن السواك كان فيه قبض أو يكون النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم قبض شفته ليتمكن من تسويك أسنانه اهـ من المفهم ثم قال النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم لأبي موسى: (ولكن أذهب أنت يا أبا موسى أو) قال: (يا عبد الله بن قيس فبعثه) أي فبعث أبا موسى وولاه (على اليمن ثم أتبعه) أي أتبع أبا موسى وألحقه (معاذ بن جبل) رضي الله عنهما ظاهر هذا الكلام أن بعث معاذ كان بعد بعث أبي موسى ويعارضه في الظاهر ما أخرجه البُخاريّ في المغازي بعث النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذًا إلى اليمن فقال يسرا ولا تعسرا ويحمل على أنَّه أضاف معاذًا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته لكن قبل توجهه فوصاهما عند التوجه بذلك ويمكن أن يكون المراد أنَّه وصى كلًّا منهما واحدًا بعد أخر كذا في فتح الباري [١٢/ ٢٧٤] وقال القرطبي: ظاهر هذا أنَّه صَلَّى الله عليه وسلم ولى معاذًا على أبي موسى ولم يعزل أبا موسى وعلى هذا يدل تنفيذ معاذ الحكم بقتل المرتد وإمضائه ويحتمل أن يكون صَلَّى الله عليه وسلم ولى كل واحد منهما على عمل غير عمل الآخر فإما في الجهاد وإما في الأعمال وهذا هو الصَّحيح بدليل ما وقع في صحيح البُخاريّ أن النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم ولى معاذًا على مخلاف من اليمن وأبا موسى على مخلاف رواه البُخاريّ [٤٣٤١ و ٤٣٤٢]، والمخلاف واحد المخاليف وهي الكور والكور: جمع الكورة وهي الصقع والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال اهـ من المفهم (فلما قدم) معاذ (عليه) أي على أبي موسى (قال) له أبو موسى: (انزل) يا معاذ واجلس (وألقى) أبو موسى ووضع (له) أي لمعاذ (وسادةً) أي مخدة وقيل فراشًا (وإذا رجل) مرتد كائن (عنده) أي عند أبي موسى (موثق) أي مشدود بالوثاق بفتح الواو وكسرها القيد والحبل ونحوهما (قال) معاذ: (ما) شأن (هذا) الرجل الموثوق (قال) أبو موسى: (هذا) الرجل

الصفحة 12