كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 20)

عِنْدَ الله، عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. عَنْ يَمِينِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكِلْتَا يَدَيهِ يَمِينٌ؛ الذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا"
ــ
إلخ وهذا السند من خماسياته وفيه التحديث والمقارنة والعنعنة والمقسطون جمع مقسط اسم فاعل من أقسط الرباعي يقال أقسط إذا عدل في الحكم ومنه قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: ٩] ويقال قسط إذا جار واسم الفاعل أنَّه قاسط ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} [الجن: ١٥] وقد فسر المقسطين في آخر الحديث فقال: (الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) (عند الله) عندية تشريف (على منابر من نور) جمع منبر سمي بذلك لارتفاعه عن الأرض يقال نبر الجرح أي ارتفع وانتفح يعني به مجلسًا رفيعًا يتلألأ نورًا (عن يمين الرحمن عزَّ وجل) واليمين صفة ثابتة لله تعالى نثبته ونعتقده ولا نكيفه ولا نمثله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وضده الشمال وهي أيضًا صفة ثابتة لله تعالى نثبته أو نعتقدها ولا نمثلها ولا نكيفها كما في حديث إن الله يقبض السموات بيمينه والأرض بشماله واليمين مشتق من اليمن بمعنى البركة والشمال من الشؤم وهو ضد البركة وقوله (وكلتا يديه يمين) أي كل منهما مباركة تحرز من توهم نقص وضعف فيما أضافه إلى الحق سبحانه وتعالى مما قصد به الإكرام والتشريف وذلك أنَّه لما كانت اليمين في حقنا يقابلها الشمال وهي أنقص منها رتبة وأضعف حركة وأثقل لفظًا جسم توهم مثل هذه في حق الله تعالى فقال وكلتا يديه يمين أي كل ما نسب إليه من ذلك شريف محمود لا نقص يتوهم فيه ولا قصور اهـ من المفهم والمعنى إن العادلين في حكمهم بين الرعية مقربون إلى الله تعالى ومكرمون لديه ومرتفعون على أماكن ساطعة النور حتَّى كأنها مخلوقة من النور وهو كناية عن حسن حالهم هناك وعلو مراتبهم (الذين يعدلون) أي يفعلون العدل صفة كاشفة للمقسطين (في حكمهم) بين الرعية (و) في قسمهم بين (أهليهم) المبيت (و) فيـ (ـما ولوا) عليه أي وفي جميع ما تولوا عليه أي في جميع ما كانت لهم عليه ولاية كالأرقاء والدواب وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٢/ ١٦٠]، والنَّسائيُّ [٨/ ٢٢١] ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عبد الله بن عمرو بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال.

الصفحة 18