كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 20)

فَلَمَّا قَدِمَ قَال: هذَا لَكُمْ. وَهذَا لِي، أُهدِيَ لِي. قَال: فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ. وَقَال: "مَا بَالُ عَامِل أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هذَا لَكُمْ وَهذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلا قَعَدَ فِي بَيتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهدَى إِلَيهِ أَمْ لَا. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدِ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنهَا شَيئًا إلا جَاءَ بِهِ
ــ
صدقات بني سليم معين المبعوث عليهم وذكر العسكري أنَّه بعث إلى بني دبيان حكاه الحافظ في الزكاة [٣/ ٣٦٦] وقال: فلعله كان عاملًا على القبيلتين ووقع في رواية لأبي عوانة بعث مصدقًا إلى اليمن معين المكان المبعوث إليه (فلما قدم) الرجل بما أخذه من الصدقات (قال) ذلك الرجل (هذا) الذي دفعته إليكم حق (لكم) أي ما أخذته لكم (وهذا لي) لأنَّه (أهدي لي قال) أبو حميد: (فقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم) خطيبًا (على المنبر) وفي رواية أبي الزناد عند أبي نعيم فصعد المنبر وهو مغضب ذكره الحافظ في الفتح (فحمد الله) تعالى بتنزيهه من النقائص (وأثنى عليه) تعالى باتصافه بالكمالات (وقال) أي ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: (ما بال) أي ما شأن (عامل أبعثه) أي أرسلته لأخذ الزكوات (فيقول) لنا بعدما جاء بالمال (هذا) المال المأخوذ (لكم وهذا) الذي أبقيته (أُهدي الي أفلا قعد) أي هذا قعد وجلس كما هو في بعض الرِّواية (في بيت أبيه أو) قال الرسول صَلَّى الله عليه وسلم أو الراوي والشك من الراوي أو ممن دونه ويحتمل أن تكون للتنويع أو بمعنى الواو كما يدل عليه ما سيأتي (في بيت أمه حتَّى ينظر) ويجرب (أُيهدى إليه) لمنزلته (أم لا) يهدى إليه قال القرطبي: يعني أن الذي يستخرج الهدايا من النَّاس للأمير إنَّما هو رهبة منه أو رغبة فيما في يديه أو في يدي غيره ويستعين به عليه فهي رشوة وهذا الحديث يدل دلالة صحيحة واضحة على أن هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامة لا تجوز وأن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم لأنَّها أكل المال بالباطل ورشًا وهو قول مالك وغيره اهـ من المفهم قال ابن المنير يؤخذ من قوله (هلَّا جلس في بيت أبيه وأمه) جواز قبول الهدية ممن كان يهاديه قبل ذلك وأعقبه الحافظ في الفتح [١٣/ ١٦٧] بقوله ولا يخفى أن محل ذلك إذا لم يزد على العادة اهـ.
(والذي) أي أقسمت بالإله الذي (نفس محمَّد) وروحه (بيده) المقدسة (لا ينال) أي لا يأخذ (أحد منكم) أيها الولاة (منها) أي من الهدايا (شيئًا) ولو قليلًا (إلَّا جاء به)

الصفحة 37