كتاب الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن

قال المأمون: "أحسنت يا عبد العزيز، ثم أمر لي بعشرة ألاف درهم، فحملت بين يدي وانصرفت من مجلسه على أحسن حال وأجملها، قد أعز الله دين الإسلام وعز أهله وأذل الكفر وأهله فلله الحمد والشكر على نعمه كلها وعلى مننه وتوفيقه وتسديده".
قال عبد العزيز: "فسر المسلمون جميعا بما وهبهم الله من إظهار الحق وقمع الباطل، وانكشف عن قلوبهم ما كان قد اكتنفها من الغم والهم والحزن وجعل الناس يجيئون إلي أفواجا حتى أغلقت بابي واحتجبت عنهم خوفا على نفسي وعليهم من مكروه يلحقنا، فقالوا: لابد أن تملى علينا ما جرى لنعرفه ونتعلمه، فتهيبت ذلك، وتخوفت سوء العاقبة، فلما ألحوا علي قلت: أنا أذكر بعض ما جرى مما لا يكون علي حجة في ذكره فرضوا بذلك، فأمليت عليهم أوراقا يسيرة مقدار عشر أوراق مختصرة مما جرى لأقطعهم بها عني وعن ملازمة بابي، ولم يتهيأ لي شرح هذا كله لما تخوفت على نف! حي مما يلحقني بعضه"، وأنا أذكر ما لحقني بعد هذا المجلس وما جرى بسبب تلك الأوراق التي كتبها الناس عني في كتاب مفرد بعد هذا إن شاء الله تعالى1 "آخر كتاب الحيدة".
قال عبد العزيز الكناني: "وكان خلف ظهري وأنا في مجلس أمير المؤمنين المأمون أناظر بشرا المريسي على ما سأذكره في هذا الكتاب رجل ممن يعرف بالكلام والنظر، فجعل كلما سكت بشر وانقطع يحرضه على الكلام، وإذا أردت أنا أن أتكلم لا يزال يهذي خلفي ويقرب رأسه من أذني ليسمعني ويدهشني ويقطعني بذلك عن حجتي، فشكوت إلى أمير المؤمنين ذلك فصاح به وباعده عني، فلما قلت لبشر: ما من شيء كان أو هو كائن مما يحتاج الناس إلى معرفته وعلمه إلا وقد ذكره الله عز وجل في كتابه عقله من عقله، وجهله من جهله"، فإذا ذلك الرجل يضرب يده على فخذه ويقول: "يا سبحان الله تزعم أن كل ما هو كائن مما يحتاج إليه قد ذكره الله ما أعظم هذا وكيف يعلم ما هو كائن فيذكره"؟
قال عبد العزيز: "فالتفت إليه فقلت له أنت جهمي قدري أيضا وأنت تهذي دائما، ثم أقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إن هذا الذي
__________
1 إلى هنا آخر طبعة مركز شئون الدعوة.

الصفحة 86