كتاب شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية

بَلْ كَرِهُوهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أُمُورٍ كَاذِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْحَقِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِهَا مِنَ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنْ عُلَمَائِهِمْ، وَلِاشْتِمَالِ مُقَدِّمَاتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كَثُرَ الكلام، وَانْتَشَرَ الْقِيلُ وَالْقَالُ، وَتَوَلَّدَ لَهُمْ عَنْهَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الصَّحِيحِ وَالْعَقْلِ الصَّرِيحِ مَا يَضِيقُ عَنْهُ الْمَجَالُ. وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ الكلام زِيَادَةُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ".
وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَشْرَحَهَا سَالِكًا طَرِيقَ السَّلَفِ فِي عِبَارَاتِهِمْ، وَأَنْسُجَ عَلَى مِنْوَالِهِمْ، مُتَطَفِّلًا عَلَيْهِمْ، لَعَلِّي أَنْ أُنْظَمَ فِي سِلْكِهِمْ، وَأُدْخَلَ فِي عِدَادِهِمْ، وَأُحْشَرَ فِي زُمْرَتِهِمْ {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (¬1).
وَلَمَّا رَأَيْتُ النُّفُوسَ مَائِلَةً إِلَى الِاخْتِصَارِ، آثَرْتُهُ عَلَى التَّطْوِيلِ وَالْإِسْهَابِ. (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

قَوْلُهُ: (نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ).
اعْلَمْ أَنَّ التَّوْحِيدَ أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَأَوَّلُ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ، وَأَوَّلُ مَقَامٍ يَقُومُ فِيهِ السَّالِكُ إِلَى اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬2)، وَقَالَ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬3)، وَقَالَ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬4)، وَقَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (¬5)، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (¬6)، وَقَالَ تَعَالَى:
¬__________
(¬1) سورة النِّسَاءِ، آية: 69.
(¬2) سورة الْأَعْرَافِ، آية: 59.
(¬3) سورة الْأَعْرَافِ آية: 65.
(¬4) سورة الْأَعْرَافِ، آية: 73.
(¬5) سورة الْأَعْرَافِ، آية: 85.
(¬6) سورة النَّحْلِ، آية: 36.

الصفحة 26