كتاب شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية
أنواع التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُسُلُ:
ثُمَّ التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ رُسُلُ اللَّهِ وَنَزَلَتْ بِهِ كُتُبُهُ نَوْعَانِ: تَوْحِيدٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتَوْحِيدٌ فِي الطَّلَبِ وَالْقَصْدِ.
فَالْأَوَّلُ: هُوَ إِثْبَاتُ حَقِيقَةِ ذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَفْصَحَ الْقُرْآنُ عَنْ هَذَا النَّوْعِ كُلَّ الْإِفْصَاحِ، كَمَا فِي أَوَّلِ"الْحَدِيدِ"وَ"طه"وَآخِرِ"الْحَشْرِ"وَأَوَّلِ"الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ"وَأَوَّلِ"آلِ عِمْرَانَ"وَسُورَةِ"الْإِخْلَاصِ"بِكَمَالِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ تَوْحِيدُ الطَّلَبِ وَالْقَصْدِ، مِثْلَ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (¬1)، وَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (¬2)، وَأَوَّلُ سُورَةِ"تَنْزِيلُ الْكِتَابِ"وَآخِرُهَا، وَأَوَّلُ سُورَةِ"يُونُسَ"وَأَوْسَطُهَا وَآخِرُهَا، وَأَوَّلُ سُورَةِ"الْأَعْرَافِ"وَآخِرُهَا، وَجُمْلَةُ سُورَةِ"الْأَنْعَامِ".
وَغَالِبُ سُوَرِ الْقُرْآنِ مُتَضَمِّنَةٌ لِنَوْعَيِ التَّوْحِيدِ، بَلْ كُلُّ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ. فَإِنَّ الْقُرْآنَ إِمَّا خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ. وَإِمَّا دَعْوَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَخَلْعُ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ، فَهُوَ التَّوْحِيدُ الْإِرَادِيُّ الطَّلَبِيُّ. وَإِمَّا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِلْزَامٌ بِطَاعَتِهِ، فَذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ التَّوْحِيدِ وَمُكَمِّلَاتِهِ. وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ إِكْرَامِهِ لِأَهْلِ تَوْحِيدِهِ، وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا يُكْرِمُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ جَزَاءُ تَوْحِيدِهِ. وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ،
¬__________
(¬1) سورة الكافرون آية: 1.
(¬2) سورة آلِ عِمْرَانَ آية: 64.
الصفحة 41