كتاب شرح الطحاوية - ط الأوقاف السعودية

فَلَهُمُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا وَالْمِنَّةُ بِالسَّبْقِ، وَتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَإِيضَاحِ مَا كَانَ مِنْهُ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (¬1).
قَوْلُهُ: (وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ).
ش: يُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الِاتِّحَادِيَّةِ [وَجَهَلَةِ] (¬2) الْمُتَصَوِّفَةِ، وَإِلَّا فَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ. فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مُتَابَعَةَ الرُّسُلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬3). وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬4).
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا، نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ، نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ. وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا غِشُّ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (¬5).
¬__________
(¬1) الْحَشْرِ: 10
(¬2) في الأصل: (وجملة). ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(¬3) النِّسَاءِ: 64 - 65
(¬4) آلِ عِمْرَانَ: 31
(¬5) الْأَنْعَامِ: 124

الصفحة 504